TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > عبد الرحمن الراشد

عبد الرحمن الراشد

نشر في: 26 نوفمبر, 2014: 09:01 م

لن يغادر عبد الرحمن الراشد الميدان، ولن يولي المضمار ظهره، فهو من نوع الفرسان الذي لا يترجل من حصان إلا ليمتطي صهوة آخر.. المهنة في دمه، ومَنْ مهنته في دمه يكون متيماً بها لا فكاك له منها، وهذا سرّ مهنية عبد الرحمن الراشد العالية، ومهنيته العالية هي سرّ نجاحه المتواصل وتألقه الدائم.. ما أدار مؤسسة إعلامية الا وتميّزت في عهده... قناة "العربية" التي غادرها للتو بإرادته وبطلبات متكررة منه وبعدم رغبة مالكيها وذوي النفوذ فيها، شاهدٌ، وقبلها صحيفة "الشرق الأوسط"، ومن قبل مجلة "المجلة".. كل منها كان عهده فيها عصرها الذهبي.
عند عبد الرحمن الراشد الذي أمضيتُ معه أربعة من أغنى سنوات عملي الصحفي، كان إهمال الخبر المهم عن غفلة أو سوء تقدير خطأ، وإهمال الخبر تعمداً عن موقف سياسي خطيئة، وتضمين الخبر رأياً كفراً. هذا واحد من تجليات مهنية الراشد، فضلاً عن تواضعه الجمّ. ما رأيته يوما متكبّراً على محرر مبتدئ أو عامل خدمة بسيط، وما أوصد يوماً باب غرفته. كم من مرة وجدته يقف على بعد من كرسيي منتظراً أن أنهي مكالمة تلفونية أو عملاً على الكومبيوتر قبل أن يقترب بهدوء ملقياً تحيته مُستوضحاً عن مسألة أو مُبلّغاً عن معلومة تلقّاها للتو لنتحقق منها أو نتابع تطور الحدث الخاص بها.
عبد الرحمن الراشد، إلى ذلك، مدير جاد وحازم، وإن كانت تقاسيم وجهه الباسم كل الوقت لا تفصح عن ذلك.. في أول أيام تولّيه إدارة "العربية"، بعدما غادر "الشرق الأوسط"، اتصل بي من دبي يطلب أرقام هواتف السياسيين العراقيين الجدد لتستضيفهم قناته في برامجها الإخبارية.. زوّدته بقائمة.. بعد يومين اتصل مرة أخرى ليقول ان الأرقام التي قدمتها لا يردّ أصحابها على الاتصالات. تعجبت وأكدتُ له إنني لا أجد صعوبة في الاتصال بهم يومياً تقريباً وذكرتُ بعض الأسماء التي أتصلت بها في ذلك اليوم والأيام السابقة.
بعد سنوات أخبرني عبد الرحمن وأنا أزوره في مكاتب "العربية" في دبي انه اكتشف ان مدير الأخبار الذي مرّر اليه أرقام السياسيين لم يكن مهنياً.. كان صدّامي الهوى، فزعم ان السياسيين لا يردون حتى لا يستضيفهم، فما كان منه الا أن صرفه من الخدمة في الحال.
عبد الرحمن الراشد الصارم مهنياً، مفعم بالحسّ الإنساني المرهف للغاية. في أواخر 2003 اقترحتُ عليه أن أعود الى بغداد في مهمة صحفية لتغطية ما يجري بعد اندلاع أعمال العنف في الفلوجة، وكنت قبل ذلك قد أمضيت في بغداد أكثر من شهر، بعد أسابيع قليلة من سقوط الصنم.. تحمّس للفكرة لكنه في اليوم التالي أبلغني بانه لن يقبل بسفري.. لماذا يا رجل؟ .. أجاب: لأن شركات التأمين ترفض تغطية السفر إلى العراق، ولا أريد أن تجازف بحياتك.. وعلى مضض وافق أخيراً على أن أمضي في سفرتي متحملاً بنفسي المسؤولية عن العواقب المحتملة.
في مثال آخر شكوت له مرات عدة من ان مراسل "الشرق الأوسط" في إحدى العواصم الرئيسة لا يناسب الموقع الذي فيه ويتعيّن البحث عن بديل أنشط.. المرة بعد المرة كان عبد الرحمن يكتفي بهز رأسه موافقاً، وفي المرة الأخيرة قال: كل ما تقوله صحيح، لكن المشكلة ان هذا الزميل اذا ما صرفته من الخدمة سيصبح "homeless" وهو صاحب عائلة.. قلت له: لكنك لا تدير جمعية خيرية، قال :" صحيح ولكن يصعب عليّ أن أتخذ قراراً بشأنه".على مدى السنوات العشر الماضية أبهج عبد الرحمن الراشد حياتنا بـ"العربية".. المؤكد انه باق في الميدان من أجل بهجة أخرى.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

جميع التعليقات 1

  1. عطا عباس

    ومن منا لا يتابع عبد الرحمن الراشد ، هو ملح الصحافة العربية وعسلها أيضاً ! عبد الرحمن الراشد أعطى ل المجلة و الشرق الأوسط ملمحهما الخاص ... هو من جيل الصحفيين العرب الذين يحترمون عقل القارئ وفطنته ! سنلتقيه ، كقراء ، في محطة ابداعية قادمة لا ريب .

ملحق معرض العراق للكتاب

الأكثر قراءة

العمود الثامن: براءة نور وتابعه هيثم !!

جامعة بغداد، منارة العلم والمعرفة في قلب العراق

العمود الثامن: من أين لك هذا ؟

قناطر: حوارٌ غيرُ هادئ

العمود الثامن: غابات السامرائي

العمود الثامن: عبعوبه وعقدة دبي

 علي حسين ليس أمامك عزيزي المواطن العراقي ، سوى أن تصدّق تغريدات النائبة عالية نصيف ، خصوصاً عندما تقرر الجلوس مكان امين بغداد الاسبق نعيم عبعوب الذي اختفى منذ سنوات بعد ان حول...
علي حسين

الإدارة العامة ووطنية الأداء

ثامر الهيمص عادة ان تكون الزراعة هي القطاع الاول في الاقتصادات، ما قبل الدولة وما بعدها، اي بعد ان تزدهر الزراعة والثروة الحيوانية، هنا تحتاج الى ادارة، محددة الاهداف من خلال قوانين واعراف. وتتطور...
ثامر الهيمص

عن المصلحة وأصولها

عبد الكريم البليخ ماذا نفهم عندما نقول إنَّ زيداً أو عمراً من الناس لا يَعرفكَ أو يأتيك إلّا عند حاجته؟ هذه "المصلحة" قد تدوم فترةً من الوقت، وقد تكون قصيرة، بل قد لا تتجاوز...
عبد الكريم البليخ

سوريا العادلة أفضل بيت لمكوناتها

غسان شربل يزورك الخوفُ حين تتابع من بيروتَ ما يجري في سوريا. محاولةُ إعادة عقاربِ الساعة إلى الوراء بالغة الخطورة. كان سقوط نظام بشار الأسد مفاجأةً مدويةً باغتت حلفاءَه وخصومه معاً. في الداخل هناك...
غسان شربل
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram