TOP

جريدة المدى > تشكيل وعمارة > شنيار عبدالله.. تحدياثات التحليق بأجنحة الخزف

شنيار عبدالله.. تحدياثات التحليق بأجنحة الخزف

نشر في: 28 نوفمبر, 2014: 09:01 م

يبقى الطين ... المادة الأكثـر أثرا وتأثيرا على ذائقة ووجدان الفنان والإنسان في عراق جميع الحضارات،وفي كل العصور،كما تبقى هي المادة الحيوية،الطيعة في نسق التأمل العام وطبيعة التعامل معها من لدن أي فنان كان،وفي أي مكان يلوح من شساعة هذا العالم المتراكض

يبقى الطين ... المادة الأكثـر أثرا وتأثيرا على ذائقة ووجدان الفنان والإنسان في عراق جميع الحضارات،وفي كل العصور،كما تبقى هي المادة الحيوية،الطيعة في نسق التأمل العام وطبيعة التعامل معها من لدن أي فنان كان،وفي أي مكان يلوح من شساعة هذا العالم المتراكض،اللاهث وراء تأكيدات مستقبله على الوجه الأمثل لوجوده الحتمي،ومناورات تطلعات حرصه على البقاء،بغية تأكيد أسباب وجوده المعنوي،عبر صور تلك التطلعات الحرة التي يزيد من وهج وجود الفن-بوجه خاص-في واجهات تمثلاته وخلاصات غاياته المثلى في إسعاد الإنسان.
 
على هذا النحو يمكننا إستجلاء أسس تقنيات وتنويعات الخزاف الكبير(شنيار عبدالله)عبر تحفيزات ثقته المطلقة بأهمية القبول والتفاوض مع خواص وخصوصية هذه المادة،وملكات إحتماءاته الطوعية وجوانب إعترافاته اليقينية بجملة الإنجازات والمعطيات الكبرى التي ترسبت من أصل تركتات ونواتج حضارات(وأدي الرافدين) بعمقها وثراء آثارها الفكرية والمعرفية وغيرها من جوانب أولية وإستعمالية،تمكن من خلقها وتطويعها إنسان تلك الحقب الموغلة عمقا في أفق التأريخ القديم جدا.
أنتجت إسهامات ذائقة ومرامي (شنيار عبدالله)-قرابة نصف قرن من الآن- نسقا فكريا و تخيليا لمفردات واقع من تجسيدات فخارية نبعت من أرض ذخائر محتوياته ومكونات دواخله المتأتية من أرث وعي أكاديمي،تمثل في دراسته لهذا الفن في العراق وأمريكا،منذ نهاية ستينيات القرن الماضي،فضلا عن تكلل ذلك الوعي بمقدرات الدراسة والبحث لمقومات ومساند رؤيته التأريخية وممهدات قيم إكتشاف الحرف والكتابة وجذور الفن والمسلة والعجلة وغيرها من مجمل تلك التنويرات الحضارية التي تلت،ومن تلك التي سبقت بوجودها الكثير من بواعث وعيها في إستخلاص منجزات فنان تماهى-بإخلاص وحريص شديدين- مع ذاته المرهفة والعالم الذي يحيا فيه،متدرعا بعمق ماض ثر ومتنوع، أندفع-من أجله-متواصلا بصدق مسعاه لرفد التشكيل العراقي،بمثل هذه المعالم والجداريات الفخارية ومقترباتها النحتية،والتي يأبى(شنيار)ويرفض بشدة ووضوح تسميها ب(السيراميك) بأي شكل وأي حال من الأحوال،وله مبرراته وتسبيباته في موضوع الفصل مابين (الحرفة) المقترنة ب(السيراميك)وهيبةالفن ونبل خواصه الإبداعية متمثلا ب(الخزف)،الذي أنتمى إليه بإندفاع شوق عارم،وولع مبتكر قبل وبعد تخرجه من كلية الفنون الجميلة(بغداد/1968)وثم إتساع وإمتداد تطلعه الوثاب نحو نيله شهادة(الماجستيرM.F.A) في فن الخزف من جامعة( ولاية مشيكان/1978)الرسمية، وهي أعلى شهادة تمنح في مجال الفن في الولايات المتحدة الأمريكية.
الخزف.. بمجاورات النحت
تمكن النحت الفخاري في العراق،كما في مجمل نواتج تجربة(شنيار عبدالله)،الى جانب عطاء كبار الخزافين من أمثال الراحل سعد شاكر/ماهرالسامرائي/وأكرم ناجي)وغيرهم،ممن أقاموا وشيدو ترس مساند تحديث حضوره،وسعيهم المكابر على تلخيصه من السمة التزينية التي ألتصقت به عنوة،كما أستطاعوا أن يخلصوه من سطوة ونزق المتستسهلين والطارئين في تبعات التعامل مع هذا النوع من الفن المتنوع الرؤى والخطى التي أجترحتها تجارب من ذكرنا،بوعي تلميح وخصال وخبرة الفنان القبرصي الشهير(فالنتينوس)الذي قام بتدرس ثلة خيرة ومجتهدة من طلبة كلية الفنون الجميلة،بدفعاتها الأولى نهاية السيينيات،وليؤسسوا لبنات حية للنهوض بالخزاف نحو ما هو عليه اليوم. 
فمن وهج تبرعمات ما تجسد من براعة وأصلة فكرة ومحاسن إداء وتجسيد للغة التعبير بالطين،في واحدة أهم منافذ الدخول اليقظ،في قدرة تمرير ودفعات سيل من أفكار وحداثة موضوعات ماثلة في سمات وعلاقات جمالية- فكرية-رمزية،صاغ معالم تفرعاتها بدأب،وتفان حرص،وبسالة صبر ذائقة علمية وأكاديمية جاء يتمتع بها(شنيار)متشبعا بهواجس وتوجسات التحديث،محاولا وضع حدا فاصلا لمجمل مقتربات هذا الفن القديم-الجديد من حيوية روح النحت- بمفهومه المتوارث والمعروف-ولتأخذ بيديه كتلة الطين صوب مساراتها خاصة بعالم وآليلت الخزف وتسريب سلسلة من مراحل وأجرآءات تأسيس من تزجيج وصهر وغيرها من عمليات قبلها إدخال المواد الأولية اللينة الى جوف الفرن بغية تعريضها الى درجات حرارية عالية جدا،ليمنح هذه الكتل الطينية حضورا آسرا لمعنى قيم الجمال المرئي والروحي الذي يسكن ذرات التراب ممزوجا بالماء،وعلى أعلى درجات الإحساس وحتميات تحول المادة الأولية الى فعل ونبض ورشاقة حركة وبراعة تعبير عن مكامن ودواخل الفنان المدرك لخواص ونواح تفكيره،وسمو تحليقاته بأجنحة من خزف طيع ورهيف.
ثمة رؤى وتطلعات أفكار تتوافد وتنساق على هيئات جداريات،وتنويعات حروفية وعوالم نحتية وتوريدات عاطفية متسمة بمتعة الإعتناء ونباهة الدقة،وبما يمهد لتأطير تجربة(شنيار) بتنويرات الحداثة في توسيع فضاءات ومديات النظر إليه،من خلال كسر حاجز الفهم التقليدي والسير نحو مدارك وعي تجريبي واضح الهوية،وثوابت وجودها الحضاري، - طوال سنوات بحوثه الخزفية التي تمتد إلى ملاك معرضه الشخصي الأول على قاعة المركز الثقافي الجيكو سلوفاكي ببغداد في العام/1968،وصولا لعمق مناسيب طاقاته التعبيرية وتفهماته الحداثوية وجهوده المستقبلية بإتجاه الحفاظ على أنساق وقوانين محصلات الخزف،كفن قائم وقديم قدم الإنسان نفسه.
حروف مسمارية.. مقتربات خزف
تنهض مصدات البحث ومعاملات التجريب في جوهر تجربة(شنيار عبدالله)من حيث ولعها الخاص وثراء عمق تأثيراتها بمفردات حضارة العراق القديم،فضلا عن معدلات فهم جوهري لقيمة وقوة العلاقة في تطويع الحرف المسماري داخل وحدات جداريات أعماله،وتبنيات غرسه وتحريكه بحرية ومهارة عالية ليتفاعل مع وحدات أخرى(كرات أو خطوط طرية ومنسابة)أصطفت في ربوع بهاء وإتزان تصميمي،ت أماسك عبر أبعاد ومستويات تداخلت بروح خفة ولمحة طرواة،بحثا عما يخفف من شدة وطأة هذه الوحدات التي كانت سيبدو ثقيلة لولا ثقة ومهارات تلك الإجراءات،التي أتبعها (شنيار)في متعة تحليقاته وتحلياته المبهرة،بالأخص في متون أعماله الأخيرة،من تلك التي تسنى لي رؤيتها ضمن محتويات معرض مشترك مع عدد من الخزافيين العراقيين والأردنيين على قاعة الأورفلي في العاصمة الأردنية(عمان)نهايةعام/2013حمل عنوان(تحية الى فلانتينوس)-حاول وبحكم مراس الخبرة وولع التجريب أن يوهمنا بخفة ورهافة وحداته التي راحت تتبارى مع بعضها لتضفي مناخا من الألفة الحنين الى حقب وعصور ذلك الماض السحيق ،مزهوا بثوابت حاضر نابض بالحركة والتسارع.
ولعل ما أعطى لتلك الجداريات النحتية بقياسات كبيرة نسبيا،حضورا موثرا ودالا كان قد أنتهج بطريقة إخراج فني بارع من حيث تماسك ورصانة تلك الأعمال،التي ناور(شنيار) بتعميم سمة ولغة التزهد في مجالات تبنيه لاأستعمال ألوان قليلة، وتكاد أن تكون موحد ومستلة-قصدا- لون التراب،لكي يوحي بالعراقة والعتق ومهابة تقادم الزمن،عبر محاولات خلق نوعا من الحنين الى براءات وعفويات ذلك التأريخ البريء من وجهه نظر هذا الفنان ،الذي لم يزل يقيم وزنا لعمق ومهابة وسطوة لفعل وآثار تقادم الزمن على الأشياء وكافة موجودات الحياة،كما نجح(شنيار)في مهر رهانه وختم مقدراته التعبيرية من دون أدنى فوضى أو ضجيج لوني-إن صح الإستقاق،أو التباري مع أية نزعة إقحامية تسعى وتتقصد زعزعة نبل ونصاعة دعواته وخطاباته الجمالية والفكرية،فهو دائم الميل الى توريد نزعات خالية من التعقيد واللبس إلأ بحدود خلق إدهاش جمالي مقصود وإثارة تحريضة تتعلق بنضوج تجربته وتطورها الضمني،وبما يلازم فعل تحديث الحدث والموضوع من حيث براعة الشكل وعمق المضمون. وتعميق مديات الرؤية نحو ما ضروري وفعال في مجمل تحدياته البصرية في عالم الخزف.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

التعديل الوزاري طي النسيان.. الكتل تقيد اياد السوداني والمحاصصة تمنع التغيير

حراك نيابي لإيقاف استقطاع 1% من رواتب الموظفين والمتقاعدين

إحباط محاولة لتفجير مقام السيدة زينب في سوريا

امريكا تستعد لاخلاء نحو 153 ألف شخص في لوس أنجلوس جراء الحرائق

التعادل ينهي "ديربي" القوة الجوية والطلبة

ملحق معرض العراق للكتاب

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

إندونيسي يتزوج 87 مرة انتقاماً لحبه الفاشل 

إندونيسي يتزوج 87 مرة انتقاماً لحبه الفاشل 

شباب كثر يمرون بتجارب حب وعشق فاشلة، لكن هذا الإندونيسي لم يكن حبه فاشلاً فقط بل زواجه أيضاً، حيث طلبت زوجته الأولى الطلاق بعد عامين فقط من الارتباط به. ولذلك قرر الانتقام بطريقته الخاصة....
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram