يجب أن أبدأ باعتراف مخجل: في زحمة الكتابة عن الوضع السياسي ورحلات فخامة نائب رئيس الجمهورية، وأحاجي معالي وزير الخارجية ، لم أكتب مرة واحدة عن معاناة شريحة واسعة من المواطنين يستصرخون الضمائر، لأنهم لم يتقاضوا رواتبهم منذ ثلاثة أشهر بحجة خواء الخزينة وبحجج أخرى لا تُغني ولا تُسمن... هذا معيب ويجب أن يقوله الصحفي في صوت واضح، أو أن يتوارى خجلا، لأنه يعتقد أنّ الكتابة عن نظرية صالح المطلك في المصالحة الوطنية أجدى وأكثر نفعاً.
أتمنى عليكم أن تنظروا إلى صور المتظاهرين الذين يحملون آلام ومعاناة عوائلهم ، أحدهم قال يوم أمس في حديث لإحدى الفضائيات:"اكتبوا عن مشكلتي فأنا أتمنى أن أحصل على راتبي، لقد تجاوزت الخمسين وأشعر بأن المستقبل مظلم أمامي".
نقرأ كل يوم تصريحات وردية عن تنفيذ برامج التنمية، وظائف، شقق، مصانع، لكن الموضوع يبقى كلاماً في كلام، الصحف تكتب كلاماً، والبرامج الانتخابية قالت كلاماً، والناس لا تجد سوى الوعود!
يفيد جدول الدول الفاشلة لعام 2014 الذي أعدّته مجلة"فورين بوليسي"أن العراق واحد من بين 37 دولة ينطبق عليها وصف الدولة الفاشلة..حيث حزام الفقر والبؤس يتّسع حول الناس ويضيق حول حياتهم.. فيما بيانات الدولة لا تتعاطى بأرقام الفقر والبطالة، وإذا فعلت كذبت، ولذلك لا يُكبّد مسؤولونا أنفسهم البحث في هذه المواضيع، نحن لا نتعاطى أو نعترف إلا بأرقام القتلى، 900 قتيل وأكثر من ألفين من الجرحى في الشهر الماضي، أما تعداد الانفجارات فهو خارج قدرة الحكومة على العدّ والحساب، أما ضحايا الخطف والابتزاز فهذا موضوع يثير حساسية البعض من القوى السياسية التي تعتقد أن مخلوقات فضائية هي التي تخطف العراقيين في الطرقات.
يعاني مسؤولونا الأفاضل من مشاكل عميقة في السمع والبصر ، فهم رغم ما يبدون في الفضائيات من قدرة على الصراخ والعويل ، لا يبدو أنهم يفهمون ما يسمعون، لذلك نراهم في كل أزمة يخرجون عن النص الأصلي ليشرحوا لمن لا يجدون قوت يومهم أنّ البلاد تمرّ بأزمة مالية ، وقد تابعنا جميعا كيف خرج السادة الأفاضل ليعلنوا أننا نعيش مرحلة"شدّ الأحزمة، الحكومة تضيق صدراً بسبب انخفاض أسعار النفط،، وليس بسبب نهب ثروات البلاد... ماذا نفهم من كل ذلك ؟ نفهم أنا وأنت أن الرفاهية التي وعدونا بها أصبحت من أحلام الماضي، لماذا أيها السادة ؟ لأن إسرائيل لا تريد عراقاً غنياً، أتمنى ألاّ تعتبروا هذه العبارة نكتة الموسم، إنها من تفانين النائب محمد الصيهود وبعد..لأنّ تركيا لا تريد أن نمنح رواتب لموظفي القطّاع العام ، أما السبب الحقيقي الذي هو أكثر بساطة وأثراً لكن لا يريد أن يعترف به سياسيّو المايكرفونات: لأنّ ممارسة السرقة أصبحت أمراً مشروعاً،!
تختفي أرقام البطالة والفقر في بلاد الرافدين أمام أرقام الخراب و صور الأطفال الذين ماتوا في مخيمات النازحين ، والجثث المرمية في الطرقات بينما هناك سياسيون ضربوا الأرقام القياسية في فقد المروءة والحياء!
لقد أضاع العراقيون من أعمارهم سنوات في خطابات الشفافية، والثورة الزراعية التي مثّل بطولتها لأربع سنوات عجاف الخبير عز الدين الدولة، الذي شجّع استيراد البصل وهو يذيع خطابات الإصلاح الزراعي! واسمحوا لخادمكم أن يستعير هذه الفقرة من الأستاذة سلوى زكو وهي تندب حظنا :"في زمن مضى كان العراقي يتدفّأ بصوبة عشتار وبطانية فتاح باشا ويتداوى بأدوية معمل سامراء ويشاهد تلفزيون القيثارة ويحلّي شايه بسكر ميسان أو الموصل ويحصل على منتجات الألبان والزيوت والمعلّبات مختومة بعبارة صنع في العراق،،فأين ذهب كلّ ذلك؟"
ياسيدتي اليوم نحن نصدّر للعالم مُنتج أهم وأغلى: أنباء الخليفة البغدادي، وحكايات صالح المطلك.
أيــام فتــاح بـاشــا
[post-views]
نشر في: 29 نوفمبر, 2014: 09:01 م
جميع التعليقات 4
بغداد
بعد ما قرأت مقال اليوم ما أقول غير اللي رددته في نفسي يبوووووووو صخام اتلطم العراق وانهجم ؟
قيران المزوري
أنباء الخليفة البغدادي، وحكايات صالح المطلك , ورحلات فخامة نائب رئيس الجمهورية،
داخل السومري
في القلب نار وجراح صابر عليها ازاي - ابكي على اللي راح والا على اللي جاي.صدقت يا فريد بقولك هذا وانت تصدع بأغنية يا قلبي يا مجروح.وهذا هو حال شعب وادي الرافدين الغني بثرواته الطبيعيه ولاكنها ثروات نهبت من قبل النفايات المتسلطة على حكمه.كم صدع حزب الدعوة ر
العراق
يأخ علي ارجوك كتاباتك حلوة رغم انها مؤلمة والمعقبين على مقالاتك كذلك. أوصل فكرة للسيد العبادي المترم عن نظام العقوبات بالعالم .لا ينفع السجن والتقاعد لمن استفاد من الفضائيين. بل تحسب كم قبض ويرجعها أولا وممكن ان تخفف المحكومية.المهم الفلوس ترجع لنا. والشي