TOP

جريدة المدى > ناس وعدالة > تحمّل الأمانة طوال حياته ... ولكنّ القدر لم يرحمه

تحمّل الأمانة طوال حياته ... ولكنّ القدر لم يرحمه

نشر في: 30 نوفمبر, 2014: 09:01 م

بغداد / المدى نشأ (خ) وسط أسرة كثيرة الأبناء قليلة الموارد تضم والده الذي يعمل فلاحا في احد البساتين في بعقوبة . يخرج مع خيوط الشمس الأولى ليكافح من أجل لقمة العيش في بستانه الصغير ، ليعود مساءً ليجد زوجته في انتظاره وقد أعدت له طعام العشاء ، حيث يج

بغداد / المدى

نشأ (خ) وسط أسرة كثيرة الأبناء قليلة الموارد تضم والده الذي يعمل فلاحا في احد البساتين في بعقوبة . يخرج مع خيوط الشمس الأولى ليكافح من أجل لقمة العيش في بستانه الصغير ، ليعود مساءً ليجد زوجته في انتظاره وقد أعدت له طعام العشاء ، حيث يجتمع مع أطفاله الثمانية ليطعمهم ويعطيهم كل الطعام الذي أعدته زوجته له ويقوم إلى النوم وهو نصف جائع . لكنه كان سعيدا وقانعا طالما ان أطفاله شبعوا وملأوا بطونهم . 

 
ورث (خ) عن والده القلب الحنون وظل يتمنى ان ينهي دراسته في أسرع وقت حتى يساعد والده على تحمل أعباء معيشة أشقائه . وكان يرى ان زواجه من ابنة عمه (هـ) الفتاة الوحيدة التي احبها من كل قلبه حلم مؤجل لا يمتلك من الطموح في تحقيقه في ظل ظروف أسرته الصعبة التي تحتاج إلى المساعدة . وبالفعل اجتهد في دراسته حتى حصل على شهادة البكالوريوس في الإعلام وهنا طلب من والده ان يرتاح أخيرا ، فقد اصبح بوسعه ان يعمل ويكسب المال ويساعد والده في الإنفاق على إخوته الصغار ويحمل جانبا من الأعباء الملقاة على والده المسن . بعد بحث طويل وشاق نجح في العثور على فرصة عمل في احدى دوائر البلدية . وعلى الرغم من طبيعة عمله الشاقة إلا انه كان يحتملها في سبيل تحقيق هدفه وهو حمل بعض المسؤوليات التي انهكت والده . بدأت أحواله المادية تنتعش وبدأ دخله الشهري يزيد يصرف أكثره على إخوته والباقي يعطيه إلى والدته . وبعد ان تحسنت أحوال العائلة وأحواله قرر أخيرا ان يحقق حلمه التالي الذي ظل يتمناه طويلا وهو الزواج من الإنسانة الوحيدة التي احبها وهي ابنة عمه . وسرعان ما تم الزواج وانتقلت الزوجة للإقامة مع زوجها في منزل أبيه بعد ان اكد لها أنه لا يستطيع الابتعاد عن أهله وخصوصا إخوته الذين يساعدهم في نفقات المعيشة . 
عاش الزوجان في سعادة وهناء ولم يشعر (خ) بالندم لحظة واحدة على اختياره ، على العكس كان يشعر دائما بأنه احسن الاختيار وان زوجته أصبحت بالفعل احد أفراد أسرته حيث تعاملت مع والديه بكل احترام وحنان وخصوصا إخوته الصغار . وزادت السعادة واكتملت عندما أنجبت الزوجة طفلتها الأولى التي اطلقوا عليها اسم (نور) والتي أصبحت بالفعل نورا أضاء حياة الأسرة بأكملها. شعر (خ) بان كل شيء تمناه حصل عليه : النجاح في عمله وحب أسرته واحترام زملائه والزوجة المخلصة والطفلة الجميلة ..
لكن ..
في احد الأيام وأثناء وجود (خ) في دائرته فوجئ والده بزيارة من احد أقاربه الذي يقيم في هبهب وشكا له من ان زوجة أبيه باعت البستان لشخص غريب ملتح لا يعرفه ولا يعرف حتى جارها الشخص الملتحي . وأكد له أن البستان مقسم حسب وصية الورث وانه يمتلك حصة فيه اكثر من حصة زوجة أبيه ، وأشار إلى انه اشتكى في محكمة البداءة لإثبات حقوقه وإبطال هذا البيع غير القانوني ، وأخيرا حمّله أمانة حماية هذا البستان الذي يقع بالقرب من بستانه . وافق والد (خ) على تحمل الأمانة ووعده بحماية البستان من الغرباء وإخباره اذا جاء المشتري المجهول وقام بالاستيلاء عليه . عندما عاد (خ) من عمله اخبره والده بما دار بينه وبين أقربائه واكد تضامنه معه طالما قَبِل الأمانة فعليه ان يحافظ عليها ويمنع أي شخص يتجاوز على البستان. 
في اليوم التالي فوجئ والد (خ) أثناء وجوده بالبستان بأحد العمال يخبره بأن هناك أربعة أشخاص غرباء عن المنطقة يحاولون كسر مفتاح البستان بالقوة والدخول عنوة ، فأسرع الأب لاستطلاع الأمر بصحبة ابنه الصغير وتحدث مع الأشخاص الغرباء الأربعة وكان بينهم المشتري الملتحي الذي اكد له انه اشترى البستان ومن حقه دخوله وقتما يشاء . وعبثا حاول إقناع الرجل الغريب بأن هذا البستان ما زال محل خلاف ما بين الأبناء وزوجة أبيهم وليس من حقه الدخول إلى البستان قبل ان تحكم المحكمة بذلك ، ولكن الرجل الغريب لم يأبه لكلامه وتطاول عليه وطالبه بعدم اعتراض طريقه وإلا تعرض للضرب . احتدت المناقشة وتطورت إلى مشاجرة ساخنة ،وفي هذه الأثناء عاد (خ) من عمله وعلم بما يدور فأسرع لاستطلاع الأمر ، ولم يكن يحتمل ان يوجه أي شخص إهانة لوالده . فوجئ عند وصوله إلى البستان بأن المشاجرة تطورت إلى اشتباك بالأيدي بين والده وشقيقه الصغير من جانب والملتحي ورفاقه الأربعة من جانب آخر ، فتدخل للدفاع عن والده . وفي غمرة الشجار فوجئ الجميع بطلق ناري يخترق صدر (خ) ليسقطه أرضا غارقا في دمائه وأصابت الإطلاقات الأخرى شقيقه (م) بإصابات عديدة في ساقه . وفي غمرة انشغال الأب والعمال المتواجدين في البستان بمحاولة إنقاذ (خ) وشقيقه (م) لاذ الجناة الأربعة ومعهم الغريب الملتحي بالهرب بسيارة كانوا يستقلونها محاولين الإفلات بجريمتهم البشعة .
كانت الصدمة عنيفة على والد (خ) عندما نقلوه إلى مستشفى بعقوبة التعليمي حيث اكد الأطباء انه فارق الحياة متأثرا بالرصاصة التي أصابت قلبه مباشرة ، أما شقيقه الذي أصيب بعدة إطلاقات في ساقيه فهناك شك في عدم قدرته على السير بشكل طبيعي مرة أخرى . انهار الأب المسكين في سرداق الفاتحة اكثر من مرة لفقدانه أحب أبنائه وأقربهم إلى قلبه وكذلك ابنه الآخر الذي يعاني من شبه عجز في الحركة.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق معرض العراق للكتاب

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

جانٍ .. وضحية: مدفع السحور.. جاء متأخراً !!

جانٍ .. وضحية: مدفع السحور.. جاء متأخراً !!

كانت ليلة من ليالي رمضان، تناول الزوج (س) فطوره على عجل وارتدى ملابسه وودّع زوجته، كان الأمر عادياً، لكن لسبب تجهّله، دمعت عينا الزوجة. ابتسم في وجهها وهَمَّ بالخروج الى عمله بمحطة الوقود الخاصة...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram