TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > الجراوية تنقرض

الجراوية تنقرض

نشر في: 30 نوفمبر, 2014: 09:01 م

باستخدام السيدارة الفيصلية نسبة الى الملك فيصل الاول في العراق مطلع عشرينات القرن الماضي ، أطاح أفندية بغداد بآخر طربوش عثماني ، عندما اعتمرها الموظفون على اختلاف مواقعهم ومناصبهم ، فيما حافظت الجروايات على حضورها بوصفها غطاء الرأس الشعبي مع العكال والعمامة والكشيدة ، والسيدارة كانت بالوان متعددة الرمادي والقهوائي، والأسود هو الأكثر شيوعا ، ومازال بعضهم يستخدم السيدارة لتغطية صلعة الرأس ، واتقاء برد الشتاء ، ويقال ان المطربة الراحلة سليمة مراد أبدت إعجابها بسدارة صبري فغنت له " صندوق أمين البصرة" فدخل الرجل الى التاريخ من بوابة الأغنية العراقية.
فرقة الجالغي البغدادي هي الاخرى كان اعضاؤها يحرصون على ارتداء السدارة ، والمطرب الراحل يوسف عمر وغيره من قراء المقام العراقي ، أقاموا حفلات في عواصم عربية وأجنبية مرتدين السدارة والجراوية لإعطاء صورة واضحة عن الفلكلور العراقي بواسطة الأطوار الغنائية والزي المحلي، وابرز الرموز العراقية من مسؤولين كبار و ساسة وأدباء وصحفيين وكتاب ارتدوا السيدارة ،فاعطوا انطباعا بان العراق دخل في مرحلة جديدة ، والغى كل ما تبقى من المظاهر العثمانية الطربوش والشوارب الكبيرة المعقوفة الى الأعلى ، واستبدال أسماء الدوائر بأخرى حديثة تواكب التطور ومتطلبات بناء الدولة الحديثة .
صبري "صندوق أمين البصرة" لم يكن في زمن أغنية سليمة مراد أمينا لثاني اكبر مدينة عراقية ومنصبه يتعلق بإدارة الأمور المالية ، وفي ذلك الزمن لم تسجل حالات فساد في الدوائر الرسمية الا باستثناءات قليلة جدا ، وربما لهذا السبب نال صبري الأعجاب والمديح ، لنزاهته ، وحرصه على المال العام ، ونجاحه في أداء وظيفته ، وهناك اخر ورد في بستة بغدادية تقول "ياحلو بايو سدارة متيمك سويله جارة " لامتلاكه" كاريزما" جعلته يتفوق على جميع الأفندية فلفت الأنظار ونال الاعجاب .
مع بداية فصل الشتاء وانخفاض درجات الحرارة، يفضل الكثير من البغداديين استخدام السدارة غطاء للرأس فهي تمنح للصلعان الدفء والحماية من الإصابة بأمراض البرد، على حساب الجرواية فليس هناك من يفضلها فهي تحتاج الى خبير متخصص بشدها ولفها ومنها العصفورية وتتألف من طيتين تركب احداهما على الاخرى وقد سميت بهذا الاسم نسبة الى رجل يدعى قدوري ابن عصفور من محلة الفضل في بغداد ، بحسب دراسة دراسة للكاتب كمال لطيف سالم تناولت غطاء الراس في بغداد ، وذكر ان لفة ابو جاسم وهو من اشقياء بغداد ممن خرجوا عن طاعة الحكم العثماني تميل قليلا الى الخلف لتظهر جبين حاجبها واضحا، وهناك اللفة الشبلاوية وتتألف من ثلاث طيات بشكل اسطواني وسميت بهذا الاسم نسبة الى محلة البوشبل القريبة من ساحة السباع، واللفة المهداوية وتتألف من ثلاث طيات وهي خاصة باهل محلة المهدية التي تقع قريبا من ساحة زبيدة ، واللفة الفضلاوية اربع لفات وتنسب الى محلة الفضل .
انحسار استخدام الجراوية من قبل بعض البغداديين وتوجههم نحو السدارة ربما يعبر عن حرصهم على الاشتراك في غطاء رأس موحد ، ففضلوا السدارة، بوصفها عامل توحيد بين الصلعان لنبذ المذهبية والطائفية.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

جميع التعليقات 1

  1. ابو اثير

    لقد نسيت ياسيدي الكريم غطاء الرأس للعراقيين ألا وهي العمامة بلونيها ألأبيض وألأسود وقد كانت ترتدى من قبل السادة الشرفاء من سلاله أهل البيت وكذلك رجال الدين الوقورين وطلاب الحوزة العلمية ومجالس ومعاهد الديانة ألأسلامية المنتشرة في العراق وخاصة في مدن النجف

ملحق منارات

الأكثر قراءة

العمود الثامن: "علي بابا" يطالبنا بالتقشف !!

العمود الثامن: بلاد الشعارات وبلدان السعادة

العمود الثامن: موجات الجزائري المرتدة

العمود الثامن: المستقبل لا يُبنى بالغرف المغلقة!!

سوريا المتعددة: تجارب الأقليات من روج آفا إلى الجولاني

العمود الثامن: بلاد الشعارات وبلدان السعادة

 علي حسين نحن بلاد نُحكم بالخطابات والشعارات، وبيانات الانسداد، يصدح المسؤول بصوته ليخفي فشله وعجزه عن إدارة شؤون الناس.. كل مسؤول يختار طبقة صوتية خاصة به، ليخفي معها سنوات من العجز عن مواجهة...
علي حسين

قناطر: شجاعةُ الحسين أم حكمةُ الحسن ؟

طالب عبد العزيز اختفى أنموذجُ الامام الحسن بن علي في السردية الاسلامية المعتدلة طويلاً، وقلّما أُسْتحضرَ أنموذجه المسالم؛ في الخطب الدينية، والمجالس الحسينية، بخاصة، ذات الطبيعة الثورية، ولم تدرس بنودُ الاتفاقية(صُلح الحسن) التي عقدها...
طالب عبد العزيز

العراق.. السلطة تصفي الحق العام في التعليم المدرسي

أحمد حسن المدرسة الحكومية في أي مجتمع تعد أحد أعمدة تكوين المواطنة وإثبات وجود الدولة نفسها، وتتجاوز في أهميتها الجيش ، لأنها الحاضنة التي يتكون فيها الفرد خارج روابط الدم، ويتعلم الانتماء إلى جماعة...
أحمد حسن

فيلسوف يُشَخِّص مصدر الخلل

ابراهيم البليهي نبَّه الفيلسوف البريطاني الشهير إدموند بيرك إلى أنه من السهل ضياع الحقيقة وسيطرة الفكرة المغلوطة بعاملين: العامل الأول إثارة الخوف لجعل الكل يستجيبون للجهالة فرارًا مما جرى التخويف منه واندفاعا في اتجاه...
ابراهيم البليهي
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram