في استعادة لفتنة نشبت قبل 1400 عام، ومازالت تعصف بالمسلمين وتفرقهم وتشتت شملهم، دعت جماعة الإخوان والتيارات السلفية في مصر، إلى جمعة رفع المصاحف، ثم رميها على الارض عند ملاحقة الأمن لهم، لتدوسها أقدام رجال الشرطة حيث تقوم الفضائيات إياها بنقل هذه الصور، لإثارة مشاعر الشعب المصري ضد رجال الشرطة والجيش، غير أن أجهزة الأمن المصرية أحبطت هذه الخطط الخبيثة، حين دربت رجالها على تفادي انتهاك حرمة المصاحف، بانتشالها من الأرض بسرعة كبيرة ومنظمة، فور إلقائها عند ملاحقة هؤلاء المتأسلمين، وليس سراً أن "فتنة رفع المصاحف"، ليست أكثر من بروفة لفتنة أكبر وأشد هولاً، يجري التخطيط لإشعالها في الخامس والعشرين من يناير القادم، بهدف إدخال البلاد في دوامات من العنف والاضطرابات، لإفشال المرحلة النهائية من الاستحقاق الديمقراطي، وهو الانتخابات البرلمانية، حتى لا تكتمل أركان الدولة.
أيضا خطط الإخوان لاقتحام السجون، وتهريب قياداتهم المعتقلين على ذمة قضايا منظورة أمام القضاء، وهم بالمناسبة يمتلكون تصاميم السجون المستهدفة ورسوماتها الهندسية، وهم على علم كامل بمنافذها وأسوارها وعنابرها، وأماكن تواجد قيادات الإخوان المحبوسة فيها، وقد استغلوا كل هذه المعلومات، المسربة لهم من الشركة المنفذة لأبنية السجون عام 2011، حين هرّبوا قياداتهم، ومعهم 25 ألفاً من المساجين الجرميين الخطرين، غير أن يقظة الأمن المصري الذي تعلم الدرس، والبيان الصادر عن الأزهر الشريف، وفيه أن الدعوة إلى رفع المصاحف، ليست إلا إحياء لفتنة كانت أول وأقوى الفتن التي قسمت ظهر أمة الإسلام ومزقتها، وما زالت آثارها حتى اليوم ، وأن هذه الدعوة ليست إلا اتجاراً بالدين، وإمعاناً في خداع المسلمين باسم الشريعة والدين، ودعوة إلى إراقة الدماء قائمة على الخداع والكذب، وليست أكثر من دعوة إلى جهنم، كما أن إدراك الشعب المصري وقواه السياسية، بمن فيهم الدعوة السلفية، التي حذرت المواطنين من الاستجابة لدعوات التظاهر، ساهمت في وأد الفتنة في مهدها، وإن كانت أسفرت عن مقتل ثلاثة من العسكريين غدراً وغيلة.
وهم يدركون العواقب، سعى إخوان مصر لإحياء أبشع ما في تاريخ الإسلام، حين رفع جيش معاوية المصاحف على أسنة الرماح، مطالباً بتحكيم القرآن في النزاع بين الإمام علي، والمتمرد على الخلافة معاوية ابن أبي سفيان، حيث انطلت الخديعة على بعض أتباع وصي الرسول وباب مدينة علمه، فتم خلع الإثنين بعد المساواة بينهما على بعد الشقة، فنشأت حركة الخوارج، واستمرت تداعيات ما حصل في صفين إلى يومنا هذا، وقد فتحت باب الشقاق والنفاق والتمرد على سلطة الخليفة الشرعي، فأي ذكرى لمعركة قُتل فيها سبعون ألفا من المسلمين يستعيدها الإخوان والذين معهم من المتطرفين، حملة ألوية ورايات داعش، ليكون الحكم للمرشد ومرسي، وليس للرئيس المنتخب عبد الفتاح السيسي.
في صفين ترك الإمام القتال مُكرها لا نادماً، وهو من وصف إبن العاص والأشعري بأنهما نبذا حكم القرآن وراء ظهورهما، واتبع كل واحد منهما هواه بغير هدى من الله، فحكما بغير حجّة بيّنة، ولا سنّة ماضية، وكلاهما لم يرشد، فبرئ الله منهما ورسوله وصالح المؤمنين، والواضح أن الإمام كان يوصي من يتعرض لفتنة رفع المصاحف من بعده، بعدم ترك القتال، والمضي في طريق الحق إلى نهايته، خشية تكرار مأساة صفين.
مصاحف على أسنَّة الرماح
[post-views]
نشر في: 30 نوفمبر, 2014: 09:01 م