لا يستطيع الأستوديو أن يكون بديلا للمسرح ولا يمكن أن يحل محله لا الآن ولا في المستقبل، لأنه نسخة مزيفة من المسرح . لا يعني هذا أن لا أهمية للأستوديو فهو نتاج الحياة المعاصرة لكنه لن يكون بديلا للمسرح ووظيفته تختلف بين وقت واخر . هناك فرق كبير وشاسع ب
لا يستطيع الأستوديو أن يكون بديلا للمسرح ولا يمكن أن يحل محله لا الآن ولا في المستقبل، لأنه نسخة مزيفة من المسرح . لا يعني هذا أن لا أهمية للأستوديو فهو نتاج الحياة المعاصرة لكنه لن يكون بديلا للمسرح ووظيفته تختلف بين وقت واخر . هناك فرق كبير وشاسع بين الطقس وبين التقنية . يمكن أن يصلح أي مكان ليكون مسرحا على خلاف الأستوديو المقيد بتقنياته ومباشرته . نستطيع أن نجعل من المسجد أو الكنيسة مسرحا كما هو حال الشارع والمقهى ، لكننا نستطيع أيضا أن نجعل من الباخرة والطائرة مسرحا وهذا ما لا يستطيعه الأستوديو .
عندما نقول مثل هذا الكلام فإننا لا نقصد بذلك مفهوم المكان وحده ، بل الشكل والوظيفة والرؤية والسياق وحتى اللغة المستخدمة في كلا المكانين ، فالحكاية التي تقدم على المسرح لن تكون الحكاية نفسها لو قدمت في الأستوديو . المشاهد نفسه الذي سيحضر الحكاية في المسرح والأستوديو سيرى شيئين مختلفين تماما في الشكل والرؤية والسياق الذي تتم فيه طريقة تقديم الحكاية حتى لو كان الماكياج والملابس والإكسسوار نفسه .
إذا اخترنا موضوعا غير الحكاية أو القصة الدرامية مثل الحوار مع شخص معروف مثلا ونقوم بعرض هذا الحوار نفسه بطريقتين ، الأولى من على المسرح والثانية في داخل الأستوديو ، فما هي الفوارق التي قد نحصل عليها من جراء ذلك ؟ سيقول البعض منا انه لن تكون هناك فوارق سوى إن الأستوديو جعل هذا الشخص المعروف اقرب لنا نحن الحاضرين لمشاهدته . هذه هي فضيلة الأستوديو على المسرح لأنه قرّب المسافة بين الناس وجعلهم يجلسون على طاولة واحدة وعلى مستوى واحد من الأهمية كبشر دون أن يلغي أهمية الأشخاص ومنجزاتهم .
لكن ذلك يعيدنا مرة أخرى إلى المقارنة بين المسرح بوصفه طقسا والى الأستوديو بوصفه تقنية وما يترتب على هذه المقارنة من اختلافات وتماثلات بين المسرح والأستوديو ، بين العمل الفني " الطقس "والعمل الإعلامي " التقنية " . يأخذ الأستوديو من المسرح كل شيء تقريبا ولكنه لا يستطيع أن يأخذ طقوسيته ، على هذا الأساس لا يستطيع الأستوديو أن يكون في الطائرة أو الباخرة على خلاف المسرح ، لأنه ليس بحاجة إلى أي شيء سوى جسد الممثل . يقدم المسرح بوصفه طقسا خيارات كثيرة لكي نصنع من أي شيء مسرحا وفي أي مكان ، لكن الأستوديو يحتاج إلى أشياء كثيرة جدا لكي يكون أستوديو .
لا نريد أن نقلل من قيمة الأستوديو حينما نتحدث عن علاقته بالمسرح لان الوظيفة التي يؤديها الأستوديو إخبارية وتفتقد إلى المتعة الجمالية التي يوفرها المسرح . التأثير الذي يتركه الأستوديو على المشاهد آني وسريع وهذا هو الهدف من وجوده ، في حين إن التأثير الذي يخلفه المسرح يبقى طويلا في الذاكرة ، وعودة سريعة إلى مسرحيات شكسبير على سبيل المثال تعيدنا إلى العصر الإليزابيثي برمشة عين . الأستوديو بلا ذاكرة ، المسرح هو الذاكرة .
كيف يجلس الناس في الأستوديو وكيف يجلسون في المسرح ؟ لا يتيح الأستوديو أية لقطة تفوته فهو بمثابة عين تراقب وتسجل كل شيء ومن هنا يتحول إلى منطقة خطرة لرصد الأخطاء وتدوينها بل وتحويلها إلى وثيقة لا تقبل النقض . في المقابل يستطيع العاملون في الأستوديو إعادة تسجيل أية مادة وتشكيلها بالطريقة التي يردونها لتظهر خالية من الأخطاء تساعدهم في ذلك التقنية التي يقوم عليها الأستوديو . في المسرح يجلس الناس بالوضعية التي يريدونها لأنهم غير مراقبين ، إنهم هم المراقبون لأنهم يتابعون أناسا يكادون أن يكونوا عراة أمامهم "الممثلين." وهنا تكمن مفارقة أخرى ، إذ إن الممثل على المسرح يبذل أقصى ما يستطيع لكي يكون مقنعا وصادقا ومؤثرا ، على العكس في الأستوديو الذي يظهر فيه بعض الناس الذين يبذلون أقصى ما يستطيعون لكي لا تظهر أكاذيبهم وحيلهم.