TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > التقشف .. والكنز المفقود

التقشف .. والكنز المفقود

نشر في: 3 ديسمبر, 2014: 09:01 م

"وضع العراق على مؤشر الفساد العالمي يشهد تحسناً طفيفاً" .. هذا العنوان اختارته إحدى الوكالات الإخبارية المحلية أمس لأحد أخبارها، لكنه عنوان مخادع في الواقع. إنه يعطي انطباعاً أولياً بان خطة حكومية لمكافحة الفساد، مثلاً، قد بدأت تؤتي أُكُلها لكي يغادر العراق مقعده الدائم على مدى السنوات الأخيرة بين مجموعة الدول الخمس الأولى الأكثر فساداً منتقلاً الى مجموعة الدول الخمس الثانية أو الثالثة.
تقرير منظمة الشفافية الدولية الأخير يُظهر ان دولتنا لم تزل تحتفظ بموقعها في القائمة لكن السودان قد تقدّم عليها هذه المرة بدرجة واحدة فقط، أي ان السودان أصبح أكثر فساداً منّا بعدما كنّا أكثر فساداً منه، لكننا والسودان والصومال وكوريا الشمالية لم نزل نتربع ( بكل فخر واعتزاز!) على عرش الفساد العالمي.
للمرة الرابعة أو الخامسة أسمع من النائب أحمد الجلبي الذي يترأس اللجنة المالية في مجلس النواب ما معناه ان مجموع رواتب النواب والوزراء وسائر أصحاب المناصب العليا في الدولة وتقاعدهم الذي استثار الرأي العام خلال السنة المنصرمة لا تمثل كلفتها السنوية سوى نقطة في بحر ما يُسرق من المال العام على مدار السنين.
الجلبي الذي يحفظ الأرقام ويرددها بكسورها، كما لو كان "بالع" كومبيوتر، يقول ان عوائد الخزينة العامة منذ 2004 حتى الآن تجاوزت الـ 700 مليار دولار، وان مجموع المستوردات والنفقات العامة خلال الفترة نفسها قد تجاوز قليلاً الـ 500 مليار دولار. وبما ان الحكومة السابقة قد تركت لخلفها الحكومة الحالية خزينة خاوية، فان أكثر من 200 مليار دولار ظلت مفقودة الأثر تماماً.
الجلبي يؤكد ان مجلس النواب سعى مراراً وتكراراً الى تعقّب آثار هذه الثروة الهائلة التي تعادل موازنتي سنتين كاملتين، لكن جهوده طارت مثل ريشة في مهب الريح، فالهيئات ذات العلاقة بإمكانية العثور على أثر لهذه الثروة، كديوان الرقابة المالية مثلاً، لم تتعاون مع المجلس، فيما الحكومة كانت تُصاب بالذعر من أن تأخذ تحقيقات البرلمان مجراها الطبيعي.
في أروقة مجلس النواب والحكومة يجري التفكير الآن بفرض إجراءات تقشفية لمواجهة تداعيات الاحتلال الداعشي الكارثي وخواء الخزينة وانهيار أسعار النفط في السوق العالمية. والتقشف في ظروف كهذه خيار لا مناص منه، ولكن ما الذي يمكن أن توفره أشد إجراءات التقشف؟.. النائب الجلبي يقول ان ما بين 20 و25 ملياراً من الدولارات يمكن توفيرها سنوياً.. الرقم ليس صغيراً بالطبع لكنه لا يمثل أكثر من 10 بالمئة من ثروتنا المسروقة.
إذا كانت إجراءات التقشف ستتجنب الطبقات الفقيرة وتطال الطبقة العليا في السلطة والمجتمع وحدها، وبخاصة فئة سراق المال العام من مسؤولين حكوميين وبرلمانيين وشركائهم من رجال الأعمال، أو المقاولين بالأحرى، فهي خيار جيد، لكن الخيار الأفضل أن نتحرى مواقع جرذان المال العام ونقتفي آثار الثروات التي نهبوها لنستردّ بعضها في الأقل.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

جميع التعليقات 2

  1. مصطفى جواد

    بعد ان خوت ميزانية الدولة بدأ السارقون يسرقون المواطنين مباشرة من خلال سرقة ودائعهم في المصارف الاهلية وقد بلغت مجموع الايداعات التي لم ترد ترليون دينار عراقي هي اموال ادخارات ناس بسطاء لا حول لهم ولا قوة والمشكلة ان القضية في نهاية اولويات الصحافة والسيد

  2. ابو سجاد

    والله ان شخصا واحدا هو الذي يختصر كل تلك المسافة التي يريد ان يقطعها البرلمان او القضاء اذا كان هناك قضاء اني متيقن لايوجد قضاء في العراق لمعرفة كل الفساد في سرقة المليارات واراقة الدماء وتسليم الارض لداعش وتمزيق العراق ان ياتوا بالمختار لانه مامن جريمة

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

العمودالثامن: في محبة فيروز

العمود الثامن: ليس حكماً .. بل مسرحية كوميدية

العمودالثامن: تسريبات حلال .. تسريبات حرام !!

الفساد ظاهرة طبيعية أم بسبب أزمة منظومة الحكم؟

قناديل: (قطّة شرودنغر) وألاعيب الفنتازيا

العمود الثامن: ليس حكماً .. بل مسرحية كوميدية

 علي حسين قالوا في تسويغ الافراج عن بطل " سرقة القرن " نور زهير ، ان الرجل صحى ضميره وسيعيد الاموال التي سرقها في وضح النهار ، واخبرنا القاضي الذي اصدر قرارا بالافراج...
علي حسين

العراق بانتظار العدوان الإسرائيلي: الدروس والعبر

د. فالح الحمــراني إن قضية أمن البلاد ليست ذات أفق عسكري وحسب، وإنما لها مكون سياسي يقوم على تمتين الوحدة الوطنية والسير بالعملية السياسية على أسس صحيحة،يفتقدها العراق اليوم. وفي هذا السياق يضع تلويح...
د. فالح الحمراني

هل هي شبكات رسمية متشابكة أم منظمات خفية فوق الوطنية؟

محمد علي الحيدري يُشير مفهوم "الدولة العميقة" إلى شبكة من النخب السياسية، والعسكرية، والاقتصادية، والاستخباراتية التي تعمل خلف الكواليس لتوجيه السياسات العامة وصناعة القرار في الدولة، بغض النظر عن إرادة الحكومة المنتخبة ديمقراطيًا. ويُعتقد...
محمد علي الحيدري

الليبرالية والماركسية: بين الفكر والممارسة السياسية

أحمد حسن الليبرالية والماركسية تمثلان منظومتين فكريتين رئيستين شكلتا معالم الفكر السياسي المعاصر، وتُعدّان من الأيديولوجيات التي لا تقتصر على البعد الفلسفي فحسب، بل تنغمس أيضًا في الواقع السياسي، رغم أن العلاقة بينهما وبين...
أحمد حسن
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram