تمر هذه الأيام الذكرى الأولى لرحيل نيلسون مانديلا.. الذي لم يعرف العالم متسامحاً ومحباً للحياة مثله، ليس لأنه سُجِن أكثر من ربع قرن، بل لأنه الحاكم الذي رفض إعادة إنتاج الظلم، والسجين الذي قال لسجّانيه:"عندما أخرج من هذا المكان سأمدّ يدي لكم جميعا لنبني معا مستقبلاً جديداً لهذه البلاد".
في حكاية مانديلا التي كتبت عنها مئات الكتب وآلاف المقالات، ما الذي يمكن لكاتب مثلي ان يضيف، بعد ان تحولت هذه الحكاية الى مرايا تعكس لنا صورة عفوية للتحولات الكبرى التي تحدث من حولنا.. منذ ان رحل وصورته وهو يبتسم معلقة في كل شوارع جنوب أفريقيا، وعلى قمصان وثياب البيض قبل السود،، فالكل كان يدرك جيدا ان وجود الساحر الأسمر بينهم بمثابة ضمانة لكل السكان بكل ألوانهم وأطيافهم وقومياتهم ودياناتهم، الآلاف في جنوب أفريقيا يطوفون الشوارع يحتفلون بذكرى معلمهم، وكأن الزعيم الراحل ينظر اليهم ويلقي عليهم دروساً في كيفية تجنب حروب الثأر والضغينة.
سحرَ مانديلا العالم بتواضعه، وبعفوه الدائم وبابتسامته السمحة التي دفعت ملكة بريطانيا ان تخالف البروتوكول فتقرر الوقوف في باب القصر لاستقبال الرجل الذي قرر ذات يوم، وفي هدوء ان ينهي سلطة المستعمر الأبيض على بلاده. وقبل ان يسحر مانديلا رؤساء وملوك العالم كان قد سحر سجانيه البيض الذين ظلوا خلال سنوات سجنه الطويلة يهربون له القهوة والشاي والطعام الخاص بهم.
ظل مانديلا يؤمن بان السير نحو المستقبل أهم من لعبة إعادة الماضي وحكاياته. ولهذا عارض وبشدة مطالب شعبه من السود بالتفرغ للانتقام فيكتب في مذكراته:"كنت أعلم أن حاجة الظالم إلى الحرية، أمسّ من حاجة المظلوم، فالذي يسلب إنسانا حريته، يصير هو نفسه أسيرا للكراهية والحقد."
قبل وفاته بسنوات، أجرت معه مجلة"التايم"حديثاً عن أهم درس تعلمه في السجن فأجاب بجمل قصيرة:"إن الشجاعة لا تعني انعدام الخوف … إنما تعني تشجيع الآخرين لتجاوز الخوف.. احرص على وجود أنصارك بقربك، ومنافسيك أقرب إليك"، لم يستبعد أو يسحق منافسيه بل اصر على ان يجعلهم شركاء. أما أهم دروسه فهو أنه:"لا يوجد في السياسة إما- أو.. فالحياة أعقد من أن تأخذ حلا واحدا، فلا شيء اسمه الحل الوحيد، بل خليط من الحلول تصنع معا حلاً صحيحاً، ولهذا فالتراجع وقت الخطأ من صفات القائد".
ينام مانديلا في قبره مطمئنا لأنه ترك بلاده في تصالح مع المستقبل. لم يشتم معارضيه او يخونهم، لم يطلب من الناس ان تهتف بحياته، لم يوزع ثروات بلاده بين"الفضائيين".. لم يتستر على فاسد.. ولم يضطهد المختلفين معه..لم يقبل ان يشير اليه بلقب"فخامته"او"معاليه"هو فقط"ماديبا"، وحين أكمل ولايته الأولى في الحكم عام 1999 قرر ان لايترشح لدوره ثانية وذهب يتقاعد، يطوف البلاد ليُطمئن مواطنيه البيض قائلاً"اذا كان الماضي البغيض لكم، فليكن المستقبل الهانئ لكم ولنا. تعالوا نعمل معا، سودا وبيضا، من أجل أرض واحدة وإنسان واحد".
تخبرنا كتب التاريخ أن الضحية غالباً هي التي تنتصر، وأن السلم هو الذي ينتصر على الحرب. انتصر تشرشل في كل حروبه، لكنه خسر حرب الحرية مع هندي صغير الحجم اسمه غاندي، الذي اختصر أزمة العالم برفع شعار"لا للعنف"، كذلك قدم مانديلا نصائحه إلى كل شعوب الدنيا:"إذا كان الحاضر سينتهي بمحاكمة الماضي، فمن المؤكد أننا سنضيّع المستقبل."
من منا سيقرأ سيرة مانديلا جيدا ليتعلم أن السياسة هي فن المحافظة على الشعوب، لا فن التلاعب بأقدار الناس، وان الحكم لا يعني أن تقول للآخر إننا الاغلبية وعليك ان تقبل بمنصب التابع.
البحث عن مانديلا عراقي
[post-views]
نشر في: 5 ديسمبر, 2014: 09:01 م
جميع التعليقات 4
ام رشا
أحسنت يا أستاذ علي البلدان لا تبنى بالحقد والثأر والانتقام بل بالمسامحة ونبذ الخلافات وعدم محاكمة الماضي ولكن مانبغي اليه ربما يكون مستحيلا لأنه أولا العادة التي بالبدن لا يغيرها الا الكفن(مثل عراقي) والاجيال تربت على الاختلاف والكراهيه والمطلوب أن يت
ابو سجاد
مشكلة حكام العراق اليوم هو الثار للماضي وحرب الوجود الطائفي ولااعتقد بين هؤلاء من يشبه مانديلا ولاغاندي لان هؤلاء ليسوا هنود ولاافارقة انهم عرب ولاتزال روح التعفن القبلي فيهم
محمد توفيق
كان لدينا رجال في المسؤولية من هم على شاكلة مانديلا في التسامح كطريق للسلم الإجتماعي ، إنه الزعيم عبد الكريم قاسم، رغم أن فاجعة قتل العائلة المالكة البريئة جرت في الأيام الأولى لعهده إلا أنها لم تكن بقرار منه ، لأنه لم يكن مجبولاً على الدم، ولم ينصاع لص
العراق
gلماذا لا تكون لنا مؤسسات مثل العالم ننتخب ونعاقب الظالم والمفسد.لماذا يستمر الظلم علينا فقط.لا نريد رئيس هو القاضي والجلاد ارجوكم نريد مؤسسات تبقى. منذ توريث الحكم والابتعاد عن سنة الرسول قي عهد معاوية انهارت دولنا واصبح طفل او مجنون ممكن ان يكون خليفة ل