اعلان ممول

TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > لماذا نُذكِّر العبادي؟

لماذا نُذكِّر العبادي؟

نشر في: 6 ديسمبر, 2014: 09:01 م

كان معلم التنوير أسبينوزا يقول: " التنوع وحده يبني البلدان، لانك بمفردك لا يمكن أن تكون كل شيء " في كتاب ممتع يسأل المفكر المصري فؤاد زكريا: لماذا مطلوب منا ان نقرأ أسبينوزا اليوم ، نقرأه لنتعلم الدرس الذي نذر هذا الفيلسوف نفسه له.. درس قبول الآخر.
حتى أيامه الأخيرة ظل الفيلسوف الهولندي ، يحتفظ بثوب ممزق .. وكان يحلو له ان يعرض هذا الثوب لزواره في كل مرة كان الحديث فيها يدور حول رفض الآخر ، فقد شهد ذلك الثوب محاولة اغتياله ، طعناً بالخنجر من قبل شخص متعصب رفضا لما كتبه حول التنوع البشري .. هذا التنوع الذي به تبنى البلدان .
لم تتوقع المواطنة الأميركية السوداء وهي تصر عام 1955 على مخالفة قانون حكومي يمنع السود من الجلوس في المقاعد الأمامية في وسائل النقل العمومية ، ان عام 2008 سيشهد جلوس مواطن اسود على عرش اميركا في وحدة من أهم فصول احترام الاخر في سجل تاريخ البشرية.
وانا أعيد قراءة سيرة أسبينوزا، امضي معها متسائلا عن أسباب فشلنا ونجاح سوانا، ولماذا نحن نتقدم قائمة الدول الأكثر عنفا وفسادا وخرابا؟ والأهم لماذا يختار ساستنا "الأعزاء" السير على طريق الصومال وأفغانستان، ولا يقتربون ولو مرة واحدة من تجارب سنغافورة والبرازيل وإندونيسيا التي قرر الشعب فيها تنصيب مواطن مسيحي حاكما لاكبر عاصمة إسلامية، فيما تفاجئنا تونس في كل مرة بدروس في المصالحة الوطنية ، كان اخرها انها قررت ان تضع رجلا كان أحد وزراء الرئيس المخلوع بن علي على كرسي رئاسة البرلمان ، لتقدم لنا درسا بليغا في اصول احترام الاخر ، فهذا البلد الصغير الذي لا يتفاخر انه علم البشرية القانون والكتابة ، أستطاع ان يعلمنا معنى ان تحترم الكفاءة أيا كانت ميولها الفكرية وأصولها الاجتماعية.
منذ سنين ونحن نعيش مسرحية قانون "الاجتثاث" الذي عُدّلَ إلى قانون المساءلة والعدالة ثم أعيد إلى اسمه القديم ، ثم وجدنا من ينادي باعتبار معظم العراقيين من "العهد المباد" ويجب إبادتهم، في حين يصر كثير من ساستنا أن يدخلوننا معهم كل يوم في نفق مظلم ، حين يسعون إلى حرق كل جسور التوافق والتسامح والمحبة بين العراقيين، مادامت هذه الخطط الطائفية تجلب لهم المكانة والمنصب والمال.
كنا نتمنى من ساستنا " الافاصل أن يهتمّوا بمناقشة قوانين تفتح باب الأمل أمام العراقيين، وأن يرموا وراء ظهورهم الماضي وأن يكون همّهم الوحيد وجود عراق ينعم أبناؤه جميعا بالعدالة والحرية والقانون، في رسالة الاخلاق يكتب سبينوزا :" الهدف النهائي للحكم ليس السيطرة على الافراد او قمعهم بالخوف ، وانما هو على العكس من ذلك ، تحرير كل شخص من الخوف وتمكينهم من تنمية عقولهم وأحاسيسهم ومن استخدام اذهانهم من دون قيد .. الهدف الحقيقي للحكم هو احترام التنوع في المجتمع".
الظلم لا يحدث إلا في ظل أنظمة، لا تسمع سوى صدى صوتها، ولا يعود هناك متسع إلا لإحصاء عدد الخطب والأهازيج، لا يعود مهما كان عدد القتلى والجرحى والمهجرين والخائفين من قصف المدافع والأيتام والمعوقين والذين فقدوا الأمل بالمستقبل، لا يعترف السياسي الطائفي ، إلا بمن يهتف باسمه، لأن كل ما عدا ذلك يصبح غير مهم.
اليوم نحن بحاجة الى مسؤول ينهي فصول اجتثاث العراقيين ويفتح صفحات جديدة من التسامح شعارها القانون أولا واخيرا، لا دولة القانون التي فصلها المالكي على مقاسه .. مطلوب من حيدر العبادي ان يكتب للعراقيين أبهى فصل في قبول الآخر ، واحترام التنوع السياسي والطائفي والاجتماعي .. واسدال الستار على مسرحية " الاجتثاث " .

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

جميع التعليقات 8

  1. محمد سعيد العضب

    يحاول دائما كاتبنا المتمكن ان يطوف في القارئ بعوالم بعيده مختلفه, كما يريد ان يتقلنا عبر اراء فلاسفه عظام الي تراهيل وسفطاطات ساسه العراق الجدد , كله من اجل اثبات الاجابه عن سوا ل حق طرحه لماذا نجح سوانا وفشلنا نحن ؟ لماذا اختط قادتنا طر

  2. خليلو...

    اهل المظلومية التاريخية يفعلون الظلم على من يختلف واياهم والمنطق عندهم يقضي في عرفهم ان المضطهد بفتح الطاء، يتحول الى مضطهد بكسر الطاء، عند الانتصار على قاهريهم التاريخي في ظنهم فليسوا هم من جبلة سبينوزا الذي ورث الاضطهاد والقهر الحقيقين تاريخيا فكان س

  3. رائد

    نعم يااخي كاتب المقال فالعراق لن يبنى ويعمر الا بقبول واحتضان الاخر سواء من مبدأ عفى الله عما سلف او العفو عند المقدرة مع اعطاء ملف الاجتثاث بيد القضاء ليكون له القول الفصل فيه حفاظا على حقوق المتضررين وارى في الامثله التي ذكرتها خير دليل على ذلك ولو انني

  4. ابو سجاد

    اذا رفع الحضر عن الاجتثاث بالتاكيد ستعود كل تلك الكفاءات التي بناها النظام البعثي العفن ولكن برغم ذلك انهم كفاءات فاين يصبحوا هؤلاء المدموجين اتريد منهم ان يتنازلوا عن امتيازاتهم التي منحوها لانفسم اهذا كلام ياسيد علي وهل تعتقد ان هؤلاء الجهلة الطائفيين م

  5. زوزو

    اذا لم نتقبل الاخر يعني لن نتقبل شعوب العالم وثقافاتها ومذاهبها . 300 جنسية في لندن فقط العاصمة ومئات الجنسيات في دبي وأبو ظبي. كيف نصبح مثلهم اذا جيراننا على حائط واحد في مناطقنا وازقتنا العراقية لا نتقبله.السنة والشيعة سينتهون والعراق كذلك اذا لم يتقبل

  6. العراق

    الطائفية لا تبني بلد بل ستدمره هذه خطة ضد العراق. العراق يسعنا جميعا لن تحيا به طائفه. لن نحيا به الا معا فما الحل . لابد من ان نضع أيدينا بأيدي بعضنا ونبني ونقصي كل هدام.

  7. سعاد هندي

    استاذ علي حسين, انت تفلب مواجع عميقه ضربت هذا البلد في الصميم وتحاول باجتهاد باحثا عن خارطه طريق علها موجوده في تاريخ امم اخرى عانت مانعانيه اليوم في العراق , اْحيي جهودك النبيله وحرصك الحثيث هذا, ولكن اتمنى ان يكون هناك تيار واسع من المثقفين والكتاب يسير

  8. الامن العامه

    الامن العامه والمخابرات السابقتين عماد العراق رجعوهم يرجع العراق لانهم صكاره التنضيمات الارهابيه والمليشيات

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

الأحوال الشخصية.. 100 عام إلى الوراء

وظيفة القرن: مدير أعمال الشهرة والانتشار

العمودالثامن: يا طرطرا.."!

العمودالثامن: ماذا يريدون ؟

مقترح تعديل قانون الأحوال الشخصية العراقي.. في المنطق القانوني

العمودالثامن: درس تشرين ودرس بنغلاديش

 علي حسين ما هو الفارق بين ما جرى في تشرين عام 2019 في بغداد والمحافظات.. وما جرى في البلاد الفقيرة بنغلاديش خلال الأيام الماضية؟ في العراق جرى قتل أكثر من 700 شاب.. وجرح...
علي حسين

متى تتكلم الأغلبية الصامتة؟ وماذا بعد قانون الأحوال الشخصية؟

د.غادة العاملي يثار جدل واسع حول تعديل قانون الاحوال الشخصية وخطورة التداعيات الاجتماعية التي تسبب بها، ويبدو من السجالات والمناظرات والندوات التي ترافق النقاشات المرتبطة بقانون الاحوال الشخصية، ان حزمة قوانين اخرى تنتظر التمرير...
د.غادة العاملي

عشر أفكار حول تطييف قانون الأحوال الشخصية

علي المدن لا أحد يعلم على وجه الدقة انطباعات العراقيين حول مقترح تطييف قانون أحوالهم الشخصية، وأنا شخصيا لم أقرأ حتى الآن أي أستطلاع للرأي العام حول هذا الموضوع المعقد، وعليه؛ ستبقى مسألة مقاومتهم...
علي المدن

في مواكبة الـ (المدى)..

لاهاي عبد الحسين يوافق الاحتفال بالذكرى الحادية والعشرين لانطلاق "المدى" كمشروع ثقافي واعلامي وطني مسؤول مع الضجة التي أحدثها تقديم مشروع تعديل قانون الأحوال الشخصية المرقم 188 لسنة 1959 في مجلس النواب العراقي. هذا...
لاهاي عبد الحسين
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram