يتناول عبد الكريم قاسم مستند كشف الراتب ،من محاسب مجلس الوزراء ، ويبصم بتوقيعه في خانة الاستلام ، ويسلمني الظرف بما فيه لأضعه بالخزانة الحديدية الموجودة في غرفتي .بعدها نقوم انا وحافظ علوان ( السكرتير ) بتوزيعه كالآتي : إرسال مائة دينار إلى أخيه حامد .ومائة دينار أخرى لأخته أم طارق . وأربعون دينارا إلى مطعم مقر الوزارة . ولا يتبقى من الراتب إلا مائتا دينار ، يتولى حافظ علوان السحب منها تباعا لتوزيعها على الفقراء والمحتاجين خلال جولات عبد الكريم قاسم الليلية ، وكثيرا ما اصطحب واحدا منهم او أكثر من هؤلاء ليطلب صرف عشرة دنانير او عشرين دينارا. وعندما ينفد الراتب أخبره بذلك، ونادرا ما كان يتبقى شيء في الخزانة . فإن تبقى فهو لا يعدو غير دنانير معدودة . وعلى هذا فلم يكن في الخزانة يوم (١٤ رمضان ) إلا تلك الدنانير المعدودة . علما إنه رفض تسلم راتب الرتبة الأخيرة ( رتبة فريق ركن ) التي استحقها وفق التدرج والقدم العسكري .
أما مخصصاته السرية بوصفه رئيسا للوزراء ، فهي بحدود ستة آلاف دينار سنويا، لم يصرف منها دينارا واحدا إلا في مناسبتي العيدين: عيد الفطر وعيد الأضحى ، وعند الاحتفال بذكرى ( ١٤ تموز ) ، فبعد إجراءات مراسيم المعايدة الرسمية ، يذهب عبد الكريم قاسم إلى مديرية الموسيقى العسكرية بالقرب من باب المعظم، ومديرها آنذاك العقيد سعيد . كان المدير يهيئ قائمة بأسماء ضباط الصف من قطعات بغداد - من رتبة نائب عريف إلى رتبة نائب ضابط، فيحضر هؤلاء ، وبعد المعايدة يلقي الزعيم كلمة يليها توزيع العيدية : عشرة دنانير لكل منهم … يبلغ ما يوزع نحو ألفي دينار في جميع المناسبات .. علما إن المخصصات السرية تصرف دون قوائم كشف او تدقيق …..
ذات يوم ، جاء من إحدى جولاته بصحبة رجل يبدو عليه الفقر ، وأمرني آن أعطيه من راتبه في الخزانة خمسين دينارا— وهو مبلغ كبير آنذاك — فامتثلت ، لكنني قلت له فيما بعد : إنه مبلغ كبير ، امتعض قليلا ، وقال : هذا الفقير لو منحته خمسة دنانير لصرفها في يوم واحد ، ولظل فقيرا ، انا منحته خمسين دينارا واشترطت عليه ان يشتري بها عدة لعمل الشاي ٠( قوري وكتلي وإسكانات ) ويعمل في نفس المكان الذي وجدته فيه متسولا، ووعدته أني سأزوره يوما لأشرب الشاي عنده . هذا الرجل سيصبح عاملا بعدما كان عاطلا ،،،،،،،،
………. هل من إضافة ؟؟؟ لا ،، إنما البحث جار عن رئيس متعفف نزيه ، الوطن كله بيت له ، جموع الأطفال والطلبة والفقراء وأهل الحكمة أحبابه ورواد بابه ،، نبحث عن إنسان حين يغادر — السلطة اوتغادره الحياة ،لا يجدون في رصيده إلا دنانير معدودة ، وليس في زوادته إلا صورة لشعب متعطش للحياة مؤطرة بخارطة للوطن .
وطني محض حقيبة ٢-٢
[post-views]
نشر في: 7 ديسمبر, 2014: 09:01 م
جميع التعليقات 1
ابو اثير
ألف رحمة على روحه الطاهرة كل ثانية ودقيقة وساعة ويوم ولم يأتينا منذ أستشهاده زعيما مخلصا ومحب لشعبه مثل الزعيم كرومي رحمة الله عليه.