1- إيضاح
تلقيت بضع رسائل إلكترونية واتصالات هاتفية من داخل لندن ومن بغداد وعواصم أوروبية، من أصدقاء ومعارف، بعض أصحابها مستوضح وبعضهم عاتب وآخر مستغرب بشأن عمودي الأخير في (المدى) – "انكسارات في الثقافة العراقية – المثقف مرتبكاً" وبعضهم "زعلان" كما توقعت.
خلاصة آرائهم تتركز حول ثلاثي القبيلة الذي كسر ثقافتنا المتطلعة للجمال والمدنية، وكيف تأتى لي أن أحشر "اليسار" ضلعاً في هذا المثلث.
أحد الأسئلة اتهمني بأنني نزعت جلدي "اليساري" مستغرباً هذا "التحول" وقد "عرفني شيوعياً مناضلاً ضد الدكتاتورية في العراق منذ سنوات صباي (أواخر ستينات القرن الماضي)".
أقول: بداية، لم تكن الماركسية سوى أكثر النظريات بسالة في نقد الواقع وتكمن ثوريتها في "تفسير/ فضح" المأساة الماثلة حتى اليوم وهي اغتراب الإنسان المعاصر أو "تشييؤه" حسب اقتراح جورج لوكاش، ومنها تعلمت أجيال الماركسيين، واليساريين، أن أولى مهمات المثقف هي "أن يقلق السلطة القمعية الحاكمة (سارتر) كما جاء في رسالة أحد الأصدقاء.
أما عني شخصياً، فلم أغير جلدي بل إنني نقدت "اليسار" بطبعته الآيديولوجية/ السياسية المترهلة، التابعة، الببغاوية، التي عجزت عن إحداث النقلة المرجوة، بل تراجعت كثيراً إلى الحد الذي أصبحت فيه على يمين أي منظمة مجتمع مدني لحقوق الإنسان.
اليسار، عبر التاريخ، أطياف: منذ بلاشفة بطرسبورغ حتى حزب توني بلير!
طبعا، الموضوع أكثر تعقيداً وأوسع وأعمق وجعاً من أن يبحثه شاعر، مثلي، في عمود صحفي، لكن هذا الشاعر يعمل ويأمل بعالم أقل قسوة ووحشية، ولا يفرط في حلمه كثيراً في تحقيق الجنة الموعودة.
يساريتي، هي خلاصة ثقافتي وتجربتي الشخصيتين اللتين علمتاني أن الشعور بالعدالة مصباح يضيء الطريق الفاصل بين جلادين متوحشين (أو أكثر) يخوضان حربهما ليتوقف الناس عن الحياة ومشتقاتها.
2- أهل الشام على مائدة اللئام
تقارير المنظمات الإنسانية الدولية عن معاناة أهل الشام تثير الفزع.
الرغيف السوري، نفسه، مهدد بالانقراض. وزير التجارة السوري حسان صفية – حسب وكالات أنباء – طلب صراحة من إيران دعم حليفها في دمشق بالقمح.
ما يثير الفزع، حقاً، هو أن معاناة أهل الشام، الموالين للنظام ومعارضيه، ضحية الحرب الكارثية التي تدور في أغلب المدن السورية.
الأمم المتحدة، نفسها، ودوائرها المعنية بحماية اللاجئين وتوفير المأوى والطعام لهم، أعلنت عن عجزها المالي أمام ملايين اللاجئين والهاربين من الحرب المشتعلة الآن.
رغيف الشعير اليوم أهم، بلا مقياس، من أي رغيف شعر يرسمه شاعر من كلمات وإن عجنه بدموعه وخبزه في تنور ألمه وهو يرى أخوته السوريين وقد أزرى بهم نظامهم ومعارضوه، معاً، وهم يتوسلون الوصول إلى أقرب جزيرة وسط أقرب بحر طلباً للأمان وكسرة الخبز الأجنبية.. ماذا تعشت عائلة الأسد البارحة؟
كم أغبطك يا صديقي ورفيقي العراقي المقيم في مالمو لأنك تبنيت فتى سوريا ليعيش في بيتك مثل ابنك. كم كان كان ذلك الفتى جميلاً، شكلاَ ومضموناً، وهو لم يزل يتكلم باللهجة الشامية الصافية وسط لهجة عراقية لم تزل غريبة على مسامعه. لكنه قال لي: "ولا يهمك عمو. صرت إفهم لهجتكو حتى لو ما حكيت بالعراقي".
لكن هل يكفي أن نأوي فتى سورياً، أو نرسل بضعة دولارات أو عدداً من البطانيات تأدية لواجب ورفعاً لعتب؟
عشرات البيوت السورية فتحت أبوابها لنا، نحن العراقيين، وآواتنا من خوف وجوع وتشرد.
معاناة المواطن السوري، اليوم، ليست بجديدة، وإن جعلتها الحرب السخيفة، اليوم، أكثر عمقاً واتساعاً وهولاً.
لكن هذا المواطن كان يعلق على مأساته، في السابق، بقولته الأثيرة: "مستورة"!
رغيف الخبز، حتى رغيف الخبز، سياسي وليس طائفياً.
السلطة تستعمل الطائفة لكن الطائفة لا تستعمل السلطة.
هكذا، السوريون المحسوبون على طائفة الحاكم لم ينعموا بأفضال طائفتهم الحاكمة، فكيف بالآخرين؟
أصدقائي من أبناء الطائفة الحاكمة كانوا من بين أكثر فقراء سوريا فقراً.
صديقتي الشاعرة السورية لم تجد حتى غرفة لتقيم فيها بدمشق، مع ابنتها المراهقة.. كتبت، لها قصيدة، ذات يوم بعيد، قلت فيها: "كانت حقيبتها بيتها". هل تتذكرينها يا رشا عمران؟
إشارتان
[post-views]
نشر في: 8 ديسمبر, 2014: 09:01 م
جميع التعليقات 1
kais latif
لابل مازال( اليسار )بشكله التقليدي الموروث بحاجة الى مزيد من النقد الجريء والمباشر . كنت أتمنى في مرحلة من مراحلة الحاسمة أن يصبح ذلك اليسار (حجراً)يسقط على محيطه الراكد مُحدثاً رجةً أقل مايقال عنها إنها(إيجابية) ! ولكن هيهات ! الإنكسارات التي تحدثت عنها