"آمل ان تكون هذه الملاحظات البسيطة مدخلاً للنقاش والجدل في همّ المسرح العراقي الذي يعاني من مشاكل كبيرة انتاجياً واخراجياً وادائياً ولنا فيها حديث طويل آخر."
بهذه الكلمات انهى السيد ناصر التميمي مقالته المنشورة في عدد (المدى) ليوم الثلاثاء 25 تشرين الثاني بعد ان ناقش تنظيرات (فاروق صبري) حول ابتكاره لما سماه (المونودراما التعاقبية) وتنظيرات (ميثم السعدي) حول ما سماه (المونودراما المزدوجة) . وقد اتفقت بالرأي مع السيد ناصر في ان ما طرحه المغتربان (فاروق) و (ميثم) يتعلقان بالعملية الاخراجية اكثر من تعلقهما بالتأليف الدرامي، وهنا لابد ان اذكر ان (دليل اوكسفورد للمسرح والعرض) the oxford companion to theater a performance لم يعرف (المونودراما) بينما عرف (المونولوغ Monologue) لاعتقاد المعد (دينيس كندي) بأن ذلك المصطلح لايحتاج الى تعريف فهو واضح حيث تعني ترجمته الحرفية (دراما الفرد الواحد) وأخطأت (ماري الياس وحنان قصاب حسن) في (المعجم المسرحي) حين عرفتا (المونودراما) بانها (دراما الممثل الواحد) والصحيح هو (دراما الشخص الواحد) وهي تختلف عن مصطلح (عرض الممثل الواحد one man show) فالاول يخص الفعل الدرامي والافعال الثانوية التي تصب في مجراه لشخصية واحدة تكشف في مسار احداث المسرحية صراع الشخصية مع نفسها ومع الاخرين عبر زمن معين من حياتها كما في مسرحية (اغنية التمر) لانطوان جيكوف حيث يكشف الممثل (فاسيلي) الذي شاخ فتنكر له جمهوره عن معاناته وعن عزلته وعن اغترابه ويستعرض في حالته السابقة في تمثيل مختلف الأدوار المسرحية عندما كان شاباً وكيف كانت النسوة ينجذبن اليه ويتقربن منه ويعشقنه ولكنهن يرفضن الزواج منه لانه ممثل، وفي تلك المسرحية ممثل آخر هو الذي يقوم بدور (الملقن) . اذن يجوز ان يمثل في (المونودراما) اكثر من ممثل واحد، اما في (عرض الممثل الواحد one man show) فلا يشترك مع هذا الممثل ممثل آخر كما في عرضه يقدم موضوعات مختلفة قد تكون بعيدة كل البعد عن الصراع الدرامي وانما المهم فيها تسلية الجمهور جراء تنوع الأداء الذي قد يشمل الرقص والغناء والاكروباتيك اضافة الى التمثيل.
وكان المخرج الروسي (نيكولاي افريموف) دقيقاً في تشكيل مفهومه لمصطلح (مونودراما) وبواسطته أراد ان ينقل المتفرج الى داخل المسرحية كمساهم مباشر ولكي يرى كل شيء من وجهة نظر (البروتاغونست – الشخصية الرئيسية) وهو (الأنا البديل) للمتفرج وهكذا يجعل من التمثيل والمنظر والإضاءة وباقي عناصر الإنتاج تعكس الحالة العاطفية للبروتاغونست – الشخصية الرئيسية.
ولعل الكاتب المسرحي الروسي (انطون جيكوف) هو من اوائل من كتب المونودراما وعلى افضل وجه كما في (أغنية التمر) و (ضرر التبغ) وكلتا المسرحيتين قدمتا من قبل العراقيين. وكان المخرج (ابراهيم جلال) قد اخرج (أغنية التمر) لفرقة المسرح الحديث عام 1956 ومثل (سامي عبدالحميد) دور (الممثل فاسيلي) ومثل (يوسف العاني) دور (الملقن). واعاد المخرج الراحل (قاسم محمد) اخراج المسرحية للفرقة نفسها أوائل السبعينات مع (سامي عبدالحميد) ومستغنياً عن دور (الملقن) حيث افترض وجوده غير ضروري للفعل الدرامي وصراع الممثل مع نفسه ومع المجتمع، وأعاد (قاسم) اخراج المسرحية بداية القرن الجديد وفي إمارة الشارقة مع (سامي عبدالحميد) ايضاً وكان الشاعر والأستاذ المختص باللغة العربية (عبد الأمير الورد) قد مثل دور الممثل أواخر الثمانينات وأداه بشكل مختلف عن أداء سامي عبدالحميد.
ويقال ان (يوسف العاني) هو أول من كتب مونودراما في العراق ومثل الدور الرئيسي فيها أواسط الخمسينات من القرن الماضي وربما قبل ان يطلع على ما كتبه (جيكوف) ولم يتعرف المصطلح وانما قادته موهبته وحسه الدرامي الى ذلك.ومثلما نشيد بجهد (يوسف) في هذا الاتجاه ونعتبره ابتكاراً لم يسبقه فيه احد ، كذلك نشيد بابتكارات كل من (فاروق صبري) و (ميثم السعدي) في الاتجاه نفسه، ورغم فائدة النقاش الذي تم في (ثقافية مسرح المدى) لمحبي المسرح ودارسيه فان التعرض لمشاكل المسرح العراقي وهي كبيرة والأجدى بالنقاش والجدل خلال هذه الأيام من التعريف للمفاهيم والمصطلحات التي أصبحت من البديهيات.
وهنا لابد ان اذكر ما قام به صاحب هذه الكلمات عندما قدم (غربة) وهي مونودراما بنيت اقتباساً من رسالة بعثها احد الأساتذة المغتربين الى صديق في العراق يتعرض الى معاناته في غربته خارج الوطن ومعاناته وأمثاله داخل الوطن، وكما ان الغربة مميتة فان البقاء في وطن مليء بالجور والتعسف مميت ايضاً.