TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > إقليم البصرة: خلطة الخوف والطمأنينة

إقليم البصرة: خلطة الخوف والطمأنينة

نشر في: 16 ديسمبر, 2014: 09:01 م

مع ان السكن في بيروت لأسبوع او اكثر مغرٍ لتأمل المدينة بعيدا عن منغصات السياسة والفساد وحشود الفضائيين الا ان قضية مثل مطالبة سكان البصرة بإقليم لهم قضية تستوجب الوقوف عندها، ولا ادري لماذا يتطير كثيرون في بغداد ومدن عراقية اخرى وحتى البعض من البصريين من فكرة المطالبة بإقامة اقليم، بحجة ان ذلك سيؤدي الى تقسيم العراق مع ان الدستور يبيح ذلك والحاجة تدعو له وهنالك عشرات الأسباب تجعل مطالبة البصريين حقا واجب التنفيذ إن لم نقل التعجيل به.
نعم، ولنجعل من المخاوف امراً محتملاً، وقد تبلغ مخاوف سكان البصرة ابعد من مخاوف الحكومة المركزية، ذلك لان السؤال يصل الى الحد الذي نقول فيه: من هي الجهة التي تقف وراء الدعوات هذه، وهل من أجندات خارجية تعمل عليه ؟ وما هي الضمانات من تعاظم قضايا الفساد جراء ذلك، وقد تنفرد به جهة سياسية بعينها وتنتج لنا دكتاتورا صغيرا، ويذهب غير واحد الى القول بأن منافذ لهدر المال ستهدر نتيجة تعيين رئيسٍ للإقليم مع وزراء ومعاونين ووووو . وكل ذلك وارد والمخاوف منه واردة ايضاً، لا بل لنعترف بانه قد يكون ثغرة لعودة المليشيات والاحتراب والفوضى باسباب من أن الحكومة الحالية ومن سبقتها كانت حكومات ضعيفة، عاجزة عن القيام بابسط المشاريع الخدمية وعليها ما عليها من سوء الادارة والتخبط وكل الدلائل تشير الى ذلك.
لكننا، وبعد اكثر من احد عشر عاما من الخراب والفساد والهدر في المال العام والسرقات وذهاب ملايين الاطنان من اموال نفط البصرة لجيوب سياسيي المصادفات، من(الوطنيين) في الحكومات المتعاقبة والارهابيين الفارين والمهاجرين الجدد وحتى جيوب مئات الالاف من الفضائيين ماذا يمكننا فعله؟ وكيف سيتمكن المواطن البسيط من ابتلاع هذه والصمت ازاءها،الم تكن الحكومات المركزية والمحلية في البصرة قد دفعت وبقوة بالاتجاه هذا؟
هذا من جانب، ومن جانب آخر، فنقول: نعم، قد تتمكن حكومة البصرة من امتصاص نقمة الشارع ضدها من خلال وقوفها المعلن مع المطالبة الشعبية بإقامة الاقليم، وقد تتخذ من ذلك فرصة لتعزيز موقفها الضعيف اليوم واقناع مواطنيها بوجودهم كمسؤولين، لكن عليهم أن يكونوا حذرين من نقمة المطالبين بالاقليم انفسهم، لانهم سيسقطون الذرائع والحجج، وسيجد رئيس الإقليم المفترض ووزرائه ومن معهم انفسهم عراة وبلا ورقة التوت الصغيرة، ولن يتمكنوا من ستر شنيع افعالهم، وستكون الإطاحة بهم مدوية.
ولكي تقنع حكومة البصرة رعاياها بفكرة الاقليم عليها أن تحمي اقتصاد وواقع حال سكان البصرة من التدفق والنزوح غير المنطقي لأكثر من مليون وافد اليها خلال السنوات العشرين الماضية، ذلك لان العشوائيات وعشرات التجمعات السكانية التي انبثقت في إحياء مختلفة من المدينة غيّرت من طبيعة مجتمع المدينة الآمن، المتآخي، المتسامح وجعلت من الفرقة واعمال القتل والنهب امراً ملموساً وما هجرة البعض من الاسر ومقاتل بعض ائمة ومشايخ اهل السنة في ابي الخصيب والزبير وسواها ببعيدة عنا. الامن وطمأنينة السكان ورعاية مصالحهم والحفاظ على من تبقى من طوائفهم أمر في غاية الأهمية، والضمانات فيه امر واجب ذلك لان المخاوف ستكون قائمة في نفوس العلماني والمدني والسني والمسيحي والصابئي إن انفردت جهة شيعية بالسلطة أو ارتمت في حضن دولة مجاورة، وهي مخاوف تسبق نجاح الحكومة في مشاريع الخدمات وتامين فرص العمل وانتعاش الاقتصاد.
لا يمكن أن تكون قضية تسريح 5000 آلاف من الفضائيين في بلدية البصرة أو تردي الخدمات الاخرى وعشرات المشاريع الوهمية وسواها اسباباً آنية للمطالبة بإقامة الاقليم ففي هذا تقزيم لمطلب شعبي وحق دستوري لذا فالامر يستدعي جملة قوانين وخبراء في رسم السياسة المحلية والخارجية للاقليم بما فيها حماية المشروع من الاخذ به الى غير وجهته التي سيقام من اجلها، فلا تقاطعات من المركز إنما اخذ للحقوق وانتماء للعراق الفدرالي الموحد ووقوف مع مشروع بناء الدولة الحديثة وما يصلح في البصرة سينعكس في بغداد.
تبقى قضية بناء الإقليم على أسس دينية نعشاً طائراً يرعب الحراك المدني، ويخيف سكان المدينة المتطلعين للحياة والمستقبل في العيش الكريم الآمن والمواطن اليوم يقف مشحونا بمئات الاسئلة، خائفا مِنْ مَنْ يهدد حريته الشخصية ويحدد من تطلعاته ووجهات نظره في ما يسمع ويرى ويعتقد غير خائف ولا وجل ممن يجهز على حقه في ممارسة طقوسه الخاصة وقد تقلص ذلك كله نتيجة انفراد جهات سياسية ودينية وعشائرية تملك المال والاسلحة والنفوذ وتستحوذ على الوظائف الكبيرة.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

جميع التعليقات 1

  1. محمد توفيق

    واحدة من كوارث البصرة المعاصرة هي زوال صفة التعددية الإثنية والدينية منها قسراً لأسباب تاريخية عديدة. خسرنا اليهود في الخمسينات وفي بداية الستينات ، وفي نهاية هذه الفترة ارتكب صدام والبكر وناظم كزار مجزرة شنق اليهود والمسيحيين ومنهم زكي زيتو في ساحة أم ا

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

العمود الثامن: سياسيو الغرف المغلقة

العمود الثامن: ماذا يريدون؟

السردية النيوليبرالية للحكم في العراق

العمود الثامن: من كاكا عصمت إلى كاكا برهم

لماذا نحتاج الى معارض الكتاب في زمن الذكاء الاصطناعي؟

العمود الثامن: من كاكا عصمت إلى كاكا برهم

 علي حسين كان العراقي عصمت كتاني وهو يقف وسط قاعة الجمعية العامة للأمم المتحدة، يشعرك بأنك ترى شيئا من تاريخ وخصائص العراق.. كان رجل الآفاق في الدبلوماسية وفي السياسة، حارساً لمصالح البلاد، وحين...
علي حسين

قناديل: يكتب كي لا يموت العالَم

 لطفية الدليمي في حياة كلّ كاتب صامت، لا يجيدُ أفانين الضجيج الصاخب، ثمّة تلك اللحظة المتفجّرة والمصطخبة بالأفكار التي يسعى لتدوينها. الكتابة مقاومة للعدم، وهي نوع من العصيان الهادئ على قسوة العالم، وعلى...
لطفية الدليمي

قناطر: بغداد؛ اشراقةُ كلِّ دجلةٍ وشمس

طالب عبد العزيز ما الذي نريده في بغداد؟ وما الذي نكرهه فيها؟ نحن القادمين اليها من الجنوب، لا نشبه أهلها إنما نشبه العرب المغرمين بها، لأنَّ بغداد لا تُكره، إذْ كلُّ ما فيها جميل...
طالب عبد العزيز

صوت العراق الخافت… أزمة دبلوماسية أم أزمة دولة؟

حسن الجنابي حصل انحسار وضعف في مؤسسات الدولة العراقية منذ التسعينات. وانكمشت مكانة العراق الدولية وتراجعت قدراته الاقتصادية والسياسية والعسكرية، وانتهى الأمر بالاحتلال العسكري. اندفعت دول الإقليم لملء الفراغ في كواليس السياسة الدولية في...
حسن الجنابي
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram