أكد فريق بحثي كردي، يوم أمس الثلاثاء، أن ظاهرة ختان الإناث تشهد "تناقصاً مستمراً" في إقليم كردستان، برغم تأييد الكثير من الأمهات لها حتى الآن، وعدّ أن القضاء على تلك "الظاهرة السلبية" يتطلب جهداً جماعياً من قبل الحكومة ومختلف الفعاليات المدنية والدين
أكد فريق بحثي كردي، يوم أمس الثلاثاء، أن ظاهرة ختان الإناث تشهد "تناقصاً مستمراً" في إقليم كردستان، برغم تأييد الكثير من الأمهات لها حتى الآن، وعدّ أن القضاء على تلك "الظاهرة السلبية" يتطلب جهداً جماعياً من قبل الحكومة ومختلف الفعاليات المدنية والدينية والعشائرية.
جاء ذلك في بحث عن الختان أنجز من قبل فريق عمل من مديريات الوقاية التابعة لوزارة الصحة في حكومة إقليم كردستان، بمحافظات أربيل والسليمانية ودهوك، فضلاً عن باحثين من جامعتي السليمانية التقنية، والسليمانية، عنوانه (ختان الإناث في كردستان العراق.. الوصف والعوامل ذات الصلة)، ونشر في مجلة (WOMEN & MEN) الأميركية مؤخراً. وقال عضو الفريق البحثي الدكتور ناصح فاتح عثمان في حديث إلى (المدى برس)، إن "الختان يعني قطع جزء من الجهاز التناسلي للمرأة أو حتى أجزاء من الشفرتين أحياناً من دون سبب طبي"، مبيناً أن "منظمة الصحة العالمية تعده جريمة صحية بشعة، كما حرّمته اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة المعروفة اختصاراً باسم (سيداو CEDAW) التي اعتمدتها الأمم المتحدة في الـ18 من كانون الأول 1979 ودخلت حيز التنفيذ في الثالث من أيلول 1981 لتكون بمثابة وثيقة حقوق دولية للنساء، وصادق عليها العراق عام 1986".
وأضاف عثمان، أن "التقارير السابقة كانت تشير إلى ختان أكثر من 50% من نساء إقليم كردستان، لكن المسح الميداني الذي أجراه الفريق البحثي عام 2011، أظهر تراجع تلك النسبة إلى 23%"، مشيراً إلى أن "البحث شمل عينة من النساء ضمت 1500 تتراوح أعمارهن بين ستة أشهر إلى 20 سنة، منهن 348 تعرضن للختان".
وأوضح الباحث الذي يشغل منصب المساعد العلمي لرئيس جامعة السليمانية التقنية، أن "أعلى نسبة للنساء اللاتي تعرضن للختان سجلت في محافظة أربيل بواقع 37 بالمئة، في حين سجلت نسبة 29 بالمئة في السليمانية، وأربعة بالمئة فقط في دهوك"، لافتاً إلى أن "أكثر المناطق التي لوحظ انتشار ظاهرة الختان فيها كانت أقضية رانية، (145 كم شرق السليمانية)، جومان، (150 كم شمال شرق أربيل) وسوران، (60 كم شمال أربيل)". وتابع عثمان، أن "23 بالمئة من الفئات العمرية التي تعرضت للختان، بحسب عين البحث، كانت من عمر 16 سنة وأكثر، وأقلها كانت بين الأطفال دون الست سنوات بواقع خمسة بالمئة فقط"، مؤكداً أن "الفريق البحثي استنتج من ذلك أن ظاهرة الختان في إقليم كردستان تشهد تناقصاً مستمراً، كونها كانت موجودة على نطاق أكبر قبل سنة 2000". وأشار عثمان إلى أن "الفريق البحثي وجد أن غالبية أنواع الختان في إقليم كردستان، أي بواقع 76 بالمئة، هي من النوع الأول بحسب تقسيم منظمة الصحة العالمية، الذي يتم من خلاله إزالة جزء من البظر أو كله فضلاً عن القلفة، وأن 13% من تلك الحالات من النوع الثاني، الذي تتم فيه إزالة كلية أو جزئية للبظر والشفرين الصغيرين، مع أو بدون إزالة الشفرين الكبيرين، في حين سجلت 11% فقط من حالات الختان من النوع الرابع، الذي تتم فيه تدمير وتسوية البظر والشفرين الصغيرين عن طريق الكي أو الحرق مع الأجزاء المحيطة بها، ولم تسجل أية حالة من النوع الثالث الذي تتم فيه إزالة جميع الأجزاء الجنسية المعروفة باسم الختان الفرعوني".
وبشأن العوامل المرتبطة بالختان، أكد عثمان، إن "فريق البحث أشر ارتباط تلك الظاهرة بالزواج المبكر، وضعف المستوى التعليمي للأمهات والآباء، والعوامل الدينية والاجتماعية"، مضيفاً أن "68% من اللواتي تعرضن للختان لم يكنّ متعلمات، ما يثبت ارتباط تلك الظاهرة السلبية بالمستوى التعليمي". وتابع عثمان، أن "61% من المختونات كن ضده، في حين أيدته 28 بالمئة منهن وامتنعت 11% منهن عن إبداء الرأي"، لافتاً إلى أن "69% من اللواتي تعرضن للختان، رفضن تعريض بناتهن لتلك التجربة القاسية، في حين أيدت ذلك 31 بالمئة منهن". وأوضح الباحث، أن "50% من اللواتي تعرضن للختان، بررن ذلك بأسباب دينية، و41% منهن لأسباب اجتماعية، في حين عزت 11% منهن الخضوع للختان بهدف التطهر"، مستدركاً "لكن البحث أظهر أن الأم هي صاحبة الدور الأساس في قرار الختان، بواقع 79% من الحالات المبحوثة".
وبشأن الاستنتاجات التي توصل إليها البحث، قال المساعد العلمي لرئيس جامعة السليمانية التقنية ناصح قره داغي، إن "البحث أظهر ارتباط الختان بالتقاليد وضعف التعليم والمنطقة الجغرافية"، عاداً أن تلك "الظاهرة السلبية في تناقص مستمر وأن نسبتها في إقليم كردستان أقل مما كان يعتقد سابقاً، برغم أن الكثير من الأمهات ما يزلن يؤيدن ختان بناتهن".
وأكد الباحث، أن القضاء على ظاهرة الختان، أو الحد منها على الأقل، "يتطلب جهداً جماعياً تشارك فيه الجهات الحكومية والبرلمانية وفعاليات المجتمع من منظمات مدنية ونشطاء وعلماء دين وشخصيات عشائرية"، مطالباً بضرورة "إجراء بحوث أوسع للوقوف على العوامل الاجتماعية والثقافية لظاهرة الختان والتباين في المناطق التي يكثر فيها وضع السبل الكفيلة بالمواجهة". يذكر أن ختان الإناث، أو تشويه الأعضاء التناسلية الأنثوية، أو ما يسمى في المصطلح الشرعي الديني "الخفاض أو خفض الجواري"، يعد من الناحية التاريخية، عادة فرعونية قديمة، نشرها المصريون القدامى في شرق أفريقيا، ويقول المؤرخون إنها نشأت في مصر ما قبل زمن النبي إبراهيم عليه السلام، قبل ختان الرجال، باعتبار أن أول من اختتن من الرجال هو إبراهيم عليه السلام، وقد انتشرت في حوض النيل ثم إلى شرق أفريقيا ووصلت إلى الجزيرة العربية.
ويعد ختان الإناث دولياً، "انتهاكاً" لحقوق الإنسان الخاصة بالفتاة والمرأة، ويعكس "انعدام المساواة المتأصل" بين الجنسين، ويشكل صورة "مفرطة للتمييز" ضد المرأة، مثلما يشكل "انتهاكاً" لحق الشخص في التمتع بالصحة والأمن والسلامة البدنية، وعدم التعرض للتعذيب والمعاملة القاسية أو المهينة، وحقه في الحياة حين تفضي هذه العمليات إلى الموت، وهنالك يوم عالمي لرفض ختان الإناث، ترعاه منظمة الأمم المتحدة للتربية والثقافة والعلوم (اليونيسيف)، للتضامن مع ضحايا الختان ورفضه، يوافق السادس من شباط من كل عام.
ويعزو قانونيون وناشطون مدنيون استمرار ظاهرة الختان إلى خشية السلطات من "مواجهة رجال دين متزمتين ومناصري عادات قديمة ربطت خطأ بين الدين وعادة الختان".
ويُبرر الختان اجتماعياً بأنه فرض ديني يرتبط بـ"الطهارة"، إذ ما يزال العديد من رجال الدين يعدونه "واجباً دينياً لا تكتمل طهارة المرأة أو تقبل منها الفروض الدينية بدونه، كم أنه يأتي في إطار حرص العوائل على "خفض الرغبة الجنسية لدى البنات منذ سن مبكرة لمنعهن من التفكير بممارسة الجنس خارج الزواج، بغض النظر عن المخاطر الصحية والنفسية، الآنية واللاحقة، التي تتعرض لها البنت لأنها تعتقد أنه يمنع الرذيلة في المجتمع".
لكن الدراسات الطبية تؤكد أن الختان يجعل من "الصعب على الفتاة ممارسة علاقة زوجية طبيعية، لأن الجنس يرتبط في ذاكرتها بالعنف والألم"، لاسيما أن قطع البظر يؤدي إلى "اختلال في وظائف الجهاز التناسلي، لأنه أكثر الأجزاء حساسية، وهو المسؤول عن الرغبة الجنسية لدى المرأة". ويستشهد معارضو الختان في جدالهم مع رجال الدين، بفتوى أصدرها الأزهر الشريف عام 2006، حرّمت الختان وطالبت بإصدار قوانين "تجرّم" من يمارسه.
يشار إلى أن المتحدث الرسمي باسم وزارة الأوقاف في حكومة إقليم كردستان، ميروان نقشبندي، قال في وقت سابق، إن الختان في كردستان "لا يتطابق مع ما أقرته الشريعة"، عاداً أنه يشكل "عنفاً ضد جزء كبير من المجتمع، هو المرأة، ولم يرد في القرآن أيّ ذكر له".