هناك برنامج يعرض على القناة الثانية في التلفزيون الهولندي اسمه " الفن بين الأصيل والمزيّف " وهو برنامج مفضّل لديّ وأتابعه منذ أكثر من عشر سنوات لما فيه من طرافة وأهمية وجمال حيث يتم تصويره كل مرة في أحد متاحف هولندا المتعددة ( يوجد هنا ما يقارب الـ 900 متحف). في هذا البرنامج يجلب الناس مالديهم من تحف ولوحات وأعمال فنية مختلفة ليعرضوها على خبراء يعملون في البرنامج لتقييمها إن كانت أصلية أم لا أو إن كانت ذات قيمة عالية أم مجرد عمل فني بسيط . وهكذا ظهرت في البرنامج مفاجآت كثيرة على مرِّ الوقت وشاهدنا أعمالاً منسية لفان غوخ وبرويغل وللكثير من التحف الفنية لفنانين من مختلف أنحاء العالم وكذلك فناني عصر الباروك الهولندي بمن فيهم ريمبرانت الذي احتفى البرنامج باكتشافه 30 عملاً مهماً له على مدار 30 سنة .
هكذا يتسابق الناس للاشتراك في البرنامج ، فهذا يجلب اللوحة التي ورثها عن جدته وتلك تحضر مع كرسي يعود إلى مدرسة الباوهاوس كانت قد اشترته من سوق للأثاث القديم بسعر بسيط ، وهذه العائلة تأتي وهي تحمل أعمالاً زجاجية تعود للقرن السابع عشر ، بهذه الطريقة يحضر الناس من كل أطراف هولندا محملين بأشياء يتمنون أن تكون ثمينة وهم يحملون معها أحلاماً كبيرةً بالثراء أيضاً . يعرض هؤلاء الناس ما لديهم من فن على الخبراء المتخصصين في البرنامج ليتفحصوها جيداً ويتحدثوا عن تاريخها والمكان الذي جاءت منه والفنان الذي قام بإبداعها وأخيراً يأتي الحدث الذي ينتظره الجميع وهو إعلان ثمن القطعة الفنية .
في البرنامج نتعلم كثيراً من هؤلاء العارفين بأسرار وقيمة وتاريخ الفن ، فهنا خبير متخصص بالأعمال الزجاجية التي أنتجت في القرن الثامن عشر وآخر متخصص بأعمال الانطباعيين وثالث خبير بالمدرسة الكلاسيكية الهولندية ورابع متخصص بأثاث الآرت ديكو، وهناك خبيرة بالقطع النقدية القديمة وأخرى بالموزائيك الذي يعود إلى القرن السادس عشر وآخرون أيضاً يتوزعون على الأعمال الكرافيكية والكتب والمخطوطات القديمة النادرة والأواني النحاسية التي تعود إلى الفترة الرومانية ، بهذه الطريقة يحرك البرنامج خبراء ومتخصصين من كل نوع وصنف ومجال واتجاه فني ، يحللون الأعمال ويتحدثون عنها وعن كل خفاياها وتفاصيلها بلغة تتسرب إلى كل أسرار وجماليات وتاريخ هذه الأعمال ، وبعد ذلك يقيمون ثمنها . وهكذا يخرج الناس من البرنامج وهم يحملون قطعاً فنية ستجعلهم أثرياء أو يذهبون ليستريحوا في أقرب حانة لاحتساء شيء ما لتعديل مزاجهم ،لأن قطعهم الفنية التي بنوا عليها آمالاً كثيرة كانت مزيفة أو بسيطة القيمة .
مثل هذا البرنامج سينجح بالتأكيد في بلد يمتد فيه الفن إلى قرون عديدة وخاصة فن الرسم الذي ميَّز هولندا عن باقي البلدان ووضعها في المقدمة وخاصة بالنسبة إلى فن القرن السابع عشر حيث ريمبرانت وفرانس هالس وفيرمير ويان ستين وحتى الأساتذة الذين ظهروا بعد قرون من ذلك، مثل فان غوخ وموندريان ويان سلاوتر وجماعة كوبرا وغيرهم . هؤلاء هم الذين جعلوا هولندا واحة مهمة ومؤثرة للفن . وما يجعل هذا النوع من البرامج ناجحا وجميلاً ومشوقاً أيضاً هو أن كل بيت هولندي يحتوي على مجموعة جيدة من الأعمال الفنية ، وهذه عادة قديمة توارثوها منذ عصرهم الذهبي أيام ريمبرانت وفرانس هالس ، حيث كانت العوائل ميسورة الحال تعلّق اللوحات حتى في المطبخ ، حيث كان سعر لوحة متوسطة لريمبرانت تساوي دخلاً شهرياً لنجار من ذلك الزمن حسب إحصائية الخبراء، ومع ذلك كانت الناس تقتني الأعمال الفنية وكانت الكثير من العوائل تكلف الرسامين برسم بورتريهات لأفراد العائلة كي تعلق في البيت دليلاً على الوجاهة .
برنامج تلفزيوني يكتشف 30 عملاً للفنان ريمبرانت
[post-views]
نشر في: 19 ديسمبر, 2014: 09:01 م
يحدث الآن
مجلة بريطانية تدعو للتحرك ضد قانون الأحوال الشخصية: خطوة كبيرة الى الوراء
استشهاد مدير مستشفى دار الأمل الجامعي في بعلبك شرقي لبنان
استنفار أمني والحكومة العراقية تتحرك لتجنيب البلاد للهجمات "الإسرائيلية"
الـ"F16" تستهدف ارهابيين اثنين في وادي زغيتون بكركوك
التخطيط تحدد موعد إعلان النتائج الأولية للتعداد السكاني
الأكثر قراءة
الرأي
مصير الأقصى: في قراءة ألكسندر دوجين لنتائج القمة العربية / الإسلامية بالرياض
د. فالح الحمــراني يتمحور فكر الكسندر دوغين الفيلسوف السوفيتي/ الروسي وعالم سياسي وعالم اجتماع والشخصية الاجتماعية، حول إنشاء قوة أوراسية عظمى من خلال اتحاد روسيا والجمهوريات السوفيتية السابقة في اتحاد أوراسي جديد ليكون محط جذب لدائرة واسعة من...