اعلان ممول

TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > رصاصة رحمة

رصاصة رحمة

نشر في: 19 ديسمبر, 2014: 09:01 م

كنت صغيرة حين شاهدت الفنانة جين فوندا في الفيلم الأمريكي (انهم يقتلون الجياد..اليس كذلك؟) وهي تنتحر لشدة ارهاقها بعد ان شاركت في مسابقة مضنية للرقص دون توقف لعدة ايام للحصول على المال..لم أفهم العلاقة بين العنوان ومصير بطلة الفيلم لكني سألت لأعرف ان الجياد تحصل على رصاصة للرحمة حين تصاب او تحتضر فالجواد حيوان يمتلك احساسا بالكرامة والاعتزاز بالنفس ولايحتمل الذل وكذلك بطلة الفيلم التي نفد صبرها من شدة الاهانة والاستغلال اللذين تعرضت لهما على يد منظمي المسابقة اشارة الى طبيعة الحياة الامريكية الرأسمالية التي تقوم على احتكار البشر لدرجة امتهان كرامته مقابل المال..
تلك العلاقة التي سألت عنها في صغري بين الجياد والبشر طفرت الى ذهني اليوم حين سمعت امرأة نازحة تطالب المسؤولين بإطلاق رصاصة الرحمة على النازحين فلربما سينهي موتهم مشكلتهم ويغلق ملف النازحين الذي يتاجر به البعض وترتاح ضمائر البعض الآخر من تلك المشكلة الكبيرة..كانت ملامح المرأة تشي بترف زال ونعمة بعثرها النزوح وكانت تقف وسط طابور تسوده الفوضى ويحل التدافع فيه محل النظام بهدف الحصول على مساعدات شتائية من المجلس البلدي لأحدى المناطق السكنية في بغداد..كانت المعونات تضم مدفأة وبطانيات وافرشة ومواد غذائية وكانت المرأة تنتظر دورا قد لايأتي للحصول على تلك المعونات بعد أن انتهى الصيف (غطاء الفقير) وحل البرد والحاجة الى الاغطية والمدافىء..سمعتها تقول لرفيقتها انها تسكن شقة فقيرة خالية من الاثاث ورطبة بعد ان غادرت منزلا فسيحا يمتلئ بأفخر الاثاث والمفروشات..و قبل ان يأتي دورها في الطابور الذي لم يعد طابورا نفدت المساعدات وصار اعضاء المجلس البلدي يوبخون النازحين الذين اعترضوا او نفد صبرهم كتلك المرأة ويطالبونهم بالانسحاب لحين ورود وجبة اخرى..هنا صاحت المراة بأعلى صوتها تطالب بانهاء حياة النازحين صارخة بهم.كفى إذلالا واهانة..لقد جرحتم كرامتنا..
احد النازحين استنطقه كلام المرأة فصاح بهم: " كم دخل الى بيوتكم والاقربون منكم من هذه المعونات؟..كفاكم متاجرة بنا ".
كان هذا مشهدا بسيطا من واقعنا لم ينته بانتحار أبطاله لكنه لخص لنا قضية النازحين التي ستظل ملفا تجري مناقشته في الحجرات المغلقة ويتشدق به المسؤولون وتتاجر به المنظمات والدوائر الخاصة بتسهيل أمور النازحين اما النازحون انفسهم فلم يحصلوا على مايغير واقعهم المرير او يعيد اليهم حياتهم السليبة او يداوي جروحهم وهم ينتظرون بصبر منحة مالية لاتسد احتياجاتهم او يتدافعون للحصول على المساعدات...
مؤخرا..اعلنت منظمة الهجرة العالمية ان عدد النازحين في العراق خلال العام الجاري بلغ حتى الآن 2مليون و4آلاف و66شخصا..بعضهم وجد ملاذا واغلبهم يعيشون في ظروف لايحسدون عليها أما قضيتهم فيتم طهوها على نار هادئة دون أمل بنضجها وتطول حبال الساسة وهم يخضعونها يوميا للنقاش وتبادل الاتهامات بخصوص استغلال اموال النازحين وسرقة مستحقاتهم... قد يقود اليأس والجزع النازحين ذات يوم الى المطالبة برصاصة رحمة كما فعلت المرأة قبلهم فالعراقيون كالجياد الاصيلة يعذبهم امتهان كرامتهم وتجرحهم قلة حيلتهم ولن يحتملوا حبال الساسة الطويلة فهل سيغلق ملفهم بانتهاء معاناتهم ام بانتهائهم؟!

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

ليفربول يخسر وديا أمام بريستون

مجلس الخدمة ينشر توزيع حملة الشهادات والاوائل المعينين حديثا

البرلمان يشكل لجنة إثر التجاوزات على اقتصاد العراق وأراضيه

بايدن يرفض دعوات الانسحاب من الانتخابات الامريكية : انتظروني الأسبوع المقبل

وفاة محافظ نينوى الأسبق دريد كشمولة

ملحق عراقيون

الأكثر قراءة

العمودالثامن: عقدة عبد الكريم قاسم

العمودالثامن: فولتير بنكهة عراقية

عاشوراء يتحوّل إلى نقمة للأوليغارشية الحاكمة

من دفتر الذكريات

وجهة نظر عراقية في الانتخابات الفرنسية

العمودالثامن: هناك الكثير منهم!!

 علي حسين في السِّيرة الممتعة التي كتبتها كاترين موريس عن فيلسوف القرن العشرين جان بول سارتر ، تخبرنا أن العلاقة الفلسفية والأدبية التي كانت تربط بين الشاب كامو وفيلسوف الوجودية استبقت العلاقة بين...
علي حسين

كلاكيت: الجندي الذي شغف بالتمثيل

 علاء المفرجي رشح لخمس جوائز أوسكار. وكان أحد كبار نجوم MGM (مترو غولدوين ماير). كان لديه أيضا مهنة عسكرية وكان من مخضرمين الحرب العالمية الثانية. جيمس ستيوارت الذي يحتفل عشاق السينما بذكرى وفاته...
علاء المفرجي

من دفتر الذكريات

زهير الجزائري (2-2)الحكومة الجمهورية الأولىعشت أحداث الثورة في بغداد ثم عشت مضاعفاتها في النجف وأنا في الخامسة عشرة من عمري. وقد سحرتني هذه الحيوية السياسية التي عمّت المدينة وغطت على طابعها الديني العشائري.في متوسطة...
زهير الجزائري

ماذا وراء التعجيل بإعلان "خلو العراق من التلوث الإشعاعي"؟!

د. كاظم المقدادي (1)تصريحات مكررةشهدت السنوات الثلاث الأخيرة تصريحات عديدة مكررة لمسؤولين متنفذين قطاع البيئة عن " قرب إعلان خلو العراق من التلوث الإشعاعي". فقد صرح مدير عام مركز الوقاية من الإشعاع التابع لوزارة...
د. كاظم المقدادي
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram