TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > مؤتمر أربيل

مؤتمر أربيل

نشر في: 20 ديسمبر, 2014: 09:01 م

يحقّ لكل ثلاثة أو أكثر من المواطنين العراقيين أن يلتئموا في اجتماع، أينما شاءوا على أرض الوطن ووقتما شاؤوا وكيفما شاؤوا. ويحقّ لهم أن يتحدثوا في الاجتماع ما شاؤوا إلا ما كان فيه دعوة للعنف والحرب والإرهاب أو إثارة عنصرية أو دينية أو طائفية .. وما الى ذلك، فهذا مما كفله الدستور على نحو جلّي تماماً.
"المؤتمر العربي" الذي انعقد في أربيل منذ بضعة أيام يتعيّن النظر اليه من هذه الزاوية. وما كان للذين تهجّموا عليه حتى قبل انعقاده أن يفعلوا ذلك.. كان عليهم انتظار النتائج ليقولوا فيه ما شاؤوا أيضاً، لأنهم بخلاف هذا ينصّبون أنفسهم، من دون وجه حق، أوصياءً وأولياءَ أمر على الآخرين، ويصادرون حقهم الدستوري في التعبير عن أنفسهم.
الأمور بخواتيمها، كما قالت العرب، وخاتمة مؤتمر أربيل لم ترضني شخصياً لأن ما توصّل اليه المجتمعون وحددوا فيه مطالبهم وآمالهم وطموحاتهم لم يتضمن شيئاً مهماً للغاية كنت أرغب في أن يثمر عنه المؤتمر.
المؤتمر لم يختلف في شكله وفي مضمونه عن عشرات المؤتمرات السابقة المنعقدة في الداخل وفي الخارج : الكثير الكثير من الكلام، أكثره معسول ومعاد ومكرر.. الشعارات.. المطالب.. الملامات، والمأكولات والمشروبات، في مقابل القليل .. القليل جداً من العمل.. لم تكن هناك دراسات رصينة ولا أوراق عمل ينغمر المجتمعون في مناقشتها سعياً للوصول إلى النتائج المفضية الى العمل المطلوب.
أفضل وأهم ما كان ينبغي أن يسفر عنه المؤتمر تشكيل مجموعة عمل يجري اختيارها من شخصيات ذات قبول وطني واسع، وتُعهد اليها مهمة الاتصال بالحكومة والبرلمان والقوى السياسية المختلفة في البلاد، للبحث في إمكانات قيام تفاهم وطني شامل على حلّ شامل للأزمة السياسية التي يواجهها الجميع ووضعتهم في مأزق ولم يفلحوا جميعاً في إيجاد مخرج منها حتى الآن، ولا يبدو انهم سيفلحون ما داموا يعوّلون في مؤتمراتهم واجتماعاتهم على الكلام ويتفادون الانتقال الى مرحلة العمل الجدّي.
تصارع اللبنانيون، وهم مثلنا مجتمع متعدّد القوميات والأديان والطوائف والتيارات السياسية.. تصارعوا على مدار عقدين من الزمن بالسلاح الأبيض والأسود، وسفكوا دماء غزيرة وأزهقوا أرواحاً كثيرة لبعضهم البعض... وفي النهاية توصلوا الى ان ليس في وسع أحد منهم ولا في مصلحة أحد أن يفنى الآخرون، فأوقفوا صراعهم الدموي، وعوّلوا على السياسة ووسائلها السلمية لتحقيق مطالبهم.
نحن، في عقد واحد، سفكنا من دماء بعضنا البعض وأزهقنا من أرواح بعضنا البعض أضعاف ما كان للبنانيين.. كان علينا أن نعتبر بالتجربة اللبنانية وبتجارب كثيرة مماثلة، بل بتجربتنا الرهيبة ذاتها، لندرك أن ليس في وسع أحد منا ولا في مصلحته أن يفنى السنة على أيدي الشيعة ولا الشيعة على أيدي السنة أو الكرد على أيدي العرب، لنلقي بالسلاح كما فعل اللبنانيون وغيرهم، ونتبارز بأوراق العمل ومشاريع العمل التي تغيب عن مؤتمراتنا كلها وآخرها مؤتمر أربيل.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

جميع التعليقات 4

  1. نبيل يونس دمان

    ما كتبته عين الصواب يا استاذ عدنان حسين

  2. عمر ياسين

    التحول من الكلام للعمل و دراسة التاريخ واستخلاص العبر انت تحملنا ما لا طاقة لنا به استاذ عدنان منذ متى و سكنة هذه المنطقة يدرسون التاريخ او كانوا جديين بالعمل

  3. ام رشا

    مع تقديري لك لبنان أسوأ مثال للمصالحة والديمقراطية فلا تزال المحاصصة والمعارك الغير معلنة هي سيدة الموقف وما خلو مقعد رئاسة الجمهورية الا مثالا على ذلك ،اما بالنسبة للسنة ومؤتمرهم فانه لا يمثل الجميع ولو انه مبدأيا لسان حالهم يقول لا نحارب الدولة الإسلامي

  4. سعدي الجميلي

    المصالحة الوطنية تبدأ من الطرف الذي يمسك بالسلطة وهو الطرف القوي الذي لو امتلك الارادة الوطنية الحرة لأصدر القرارات والقوانين التي تسقط كل الحجج التي يتذرع بها الطرف الآخر المعارض وبالتالي تتم من طريقها هذه المصالحة على أسس رصينة وثابتة وعلى الطرفين معا

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

العمودالثامن: في محبة فيروز

العمود الثامن: ليس حكماً .. بل مسرحية كوميدية

العمودالثامن: تسريبات حلال .. تسريبات حرام !!

الفساد ظاهرة طبيعية أم بسبب أزمة منظومة الحكم؟

قناديل: (قطّة شرودنغر) وألاعيب الفنتازيا

العمودالثامن: الحرب على الكفاءة

 علي حسين منذ ان ظهرت الديمقراطية التوافقية في بلاد الرافدين ،والمواطنونالعراقيون يبحثون عن مسؤول مختلف يمنحونه ثقتهم، وهم مطمئنون ، رغم أنهم يدركون أنّ معظم السياسيين ومعهم المسؤولين يتعاملون مع المناصب على أنها...
علي حسين

قناطر: ليلُ العشَّار الطويل

طالب عبد العزيز يحلَّ الليلُ باكراً في أزقّة العشَّار، أزقته القصيرة والضيقة، التي تلتفُّ عليه من حدود شبه جزيرة الداكير الى ساحة أم البروم، يحدث ذلك منذ سنوات الحرب مع إيران، يوم كانت القذائفُ...
طالب عبد العزيز

محاسبة نتنياهو وغالانت أمام محكمة الجنايات الدولية اختبار لمصداقية المجتمع الدولي

د. أحمد عبد الرزاق شكارة يوم عظيم انتصاراللعدل عبارة تنم عن وصف واضح مركز ساقه الاستاذ المحامي الفلسطيني راجي صوراني عن طبيعة الدور الايجابي المؤثر للمحكمة الجنائية الدولية متمثلا بإصدار مذكرتي القاء القبض تخص...
د. أحمد عبد الرزاق شكارة

الاندماج في العراق؟

أحمد القاسمي عندما نسمع بمصطلح الاندماج يخطر بأذهاننا دمج الأجانب المقيمين في بلد ما. فاستخدام هذا المصطلح بات شائعا منذ بضعة عقود في الغرب ويُستخدَم غالبا عند الحديث عن جهود الدولة أو مؤسسات المجتمع...
أحمد القاسمي
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram