هل يمكن لخطاب الرئيس الأميركي باراك أوباما، الذي أعطى الحق لأي شركة أميركية بأن تستثمر في كوبا، أو نصيحته لرجال الأعمال الأميركيين بالتوجه نحو مشاريع تجارية في الجزيرة الواعدة اقتصادياً، أو ترحيبه بالتجار والشركات الكوبية، في إنهاء نصف قرن بين من العداء بين واشنطن وهافانا، أو بين الرأسمالية وما تبقى من الشيوعية، خصوصاً وهو يؤكد ضرورة أن تمنح الحكومة الكوبية لمواطنيها حرية استخدام الإنترنت، وأنه بالتزامن مع إقامة علاقات طبيعية مع هافانا، فإن بلاده ستواصل دعم المعارضة الكوبية، وحقوق الإنسان والحريات في المجتمع الكوبي استكمالاً لدورها العالمي، والتزامها تجاه الديموقراطية والعدل وإحلال السلام ودعم خيارات الشعوب.
جاء الرد الكوبي على لسان الرئيس راؤول كاسترو مقتضباً وجافاً، فقد ظهر وريث الزعيم التاريخي فيديل كاسترو في بزته العسكرية، يُلقي خطاب الرد من خلال ورقة مكتوبة، أعلن فيها عودة العلاقات وانتهاء حالة العداء والدعوة لتعاون اقتصادي، وإذا كان أتباع جيفارا على قناعة بأن بلدهم هو الشوكة الأقوى في حلق أميركا، بشأن ما يقولون إنه مشروع صهيوأميركي لتهويد الكرة الأرضية ومحاربة الهيمنة الإمبريالية، وبديهي أن هؤلاء لن ينسوا بسهولة من قتل رفيقهم الأرجنتيني، الذي تحول بموته شهيداً عند كل حركات التحرر في العالم، أو الفشل المتكرر لمحاولات اغتيال زعيمهم فيديل كاسترو، أو المؤامرات الأميركية المتكررة للإخلال بالنظام، وإشاعة الفوضى ومحاولات الانقلاب المستميتة، لكن الواضح أن الزعيم وإن سلم الرئاسة لشقيقه، أراد القفز على تاريخ مرير من العداء، فبارك ضمنياً عودة العلاقات الطبيعية مع ألد أعداء نظامه، ذلك أن المؤكد أنه لم تكن تلك الخطوة لتنجح لو لم يرد هو ذلك.
إذا كان أوباما ارتكز في قراره، على أن كوبا بذلت في السنوات الأخيرة جهوداً للتغيير نحو الأفضل، وأنها لم تعد دولة راعية للإرهاب، وتبرع بمنحها شرف استبعاد اسمها من دول محور الشر، فإن ذلك أغضب الكثير من المشرعين الأميركيين، من الحزبين الديمقراطي والجمهوري في آن معاً، وتوعد هؤلاء بالتصدي لرفع الحظر الذي يرغب به الرئيس، ووصفوا مبادرته بالساذجة، وبأنها سلسلة طويلة من التنازلات المتهورة، لدكتاتورية تتعامل بوحشية مع شعبها، وسيشجع هذا كل البلدان المؤيدة للإرهاب، وأن التقارب مع هافانا يشكل غطاء لسلوك الحكومة الكوبية الفظ، غير أن كل هذه الاعتراضات لم تمنع وزارة الخزانة الأمريكية من الإعلان أنها ستعدل العقوبات المالية المفروضة على كوبا خلال الأسابيع القادمة، كما لم تمنع البيت الأبيض من تأكيد الغاء تجميد حسابات في بنوك أميركية تخص كوبيين يقيمون حالياً خارج بلدهم.
حتى قبل شهور، لم يكن التفاهم ممكناً بين واشنطن وآخر معاقل الشيوعية، بعد سقوط بكين وموسكو في فخ العولمة، وظلت كوبا في حالة عداء حقيقي ودائم مع أميركا، وليس ممكناً اليوم مقارنة صراع السيجار الكوبي مع الهمبرغر، بحالة العداء بين طهران وواشنطن، غير أن البعض يرى أن الانفتاح على كوبا، قد يكون مقدمة لانفتاح أميركي حقيقي على إيران، ولعل هذا ما استثار وأيقظ حذر كثيرين، يرون في تطبيع علاقات واشنطن مع طهران، سبباً إضافياً يساعد على تمدد النفوذ الإيراني، وهو ما يشكل خطراً على نفوذهم ووجودهم، ولعل على هؤلاء التمهل، لاكتشاف هل يسمح اليمين في الكونجرس، وعتاة الحرس القديم من الشيوعيين في كوبا، بأن تسلك الطريق بين واشنطن وهافانا.
هل سلكت طريق واشنطن هافانا؟
[post-views]
نشر في: 22 ديسمبر, 2014: 09:01 م