عندما تشاهد على شاشات التلفزيون، ما تقوله النائبة ماجدة التميمي عن المبالغ "المليارية" التي تصرف على تأثيث مكاتب عدد من المسؤولين، وعن الوزير الذي يصرف الملايين على راحته الشخصية، ماذا يخطر ببالك؟ لا ادري، أما انا فيخطر لي ان ارفع برقية اعجاب وتقدير لهذه النفوس التي لا تريد ان يغادرها الحنين الى "لفلفة" المال العام.
تشكل تصرفات بعض المسؤولين إدانة أخلاقية ليس لجوهر العمل السياسي فقط، بل للكيفية التي يتعامل بها البعض مع مفهوم ادارة مؤسسات الدولة،أصبحنا نقرأ ونسمع عن مسؤولين فاسدين وظفوا موازنة دوائرهم لمنافعهم الشخصية، وغادروا من غير أن يتركوا منجزا واحدا يذكر الناس بما يجري.
تقدم لنا حكاية ساسون حسقيل الاقتصادي والرجل المالي الكبير الذي تولى وزارة المالية خمس مرات في أوائل تأسيس المملكة العراقية، أنموذجا للتفاني والنزاهة فالرجل ومن شدة حرصه على المال العام قد ذهب اسمه مثلا، فتجد العراقيين يقولون لمن يتشدد في امور المال "يمعود لتحسقلها زايد"، يكتب علامة بغداد جلال الحنفي في كتابه معجم الألفاظ العامية البغدادية: "ارتبطت مفردة حسقلة بوزير المالية ساسون حسقيل الذي عرف عنه حرصه الشديد على ميزانية الدولة العراقية وتشدده في امور الصرف".
ويقول عبود الشالجي في موسوعته "الكنايات البغدادية" أن مفردة حسقلها جاءت من كلمة حسقيل وهو اول وزير مالية عراقي عرف بتشدده ومحاسبته في كل ما يتعلق بشؤون المال.
ولعل من اشهر الروايات عن الوزير ساسون حسقيل ما جرى بينه وبين ناجي السويدي حول مبلغ "45" دينارا والتي كانت ضمن التخصيص المالي الذي قدمه السويدي الى وزير المالية لترميم بناية "القشلة" التي كانت انذاك ثكنة عسكرية:
السويدي: سيد حسقيل لماذا اقتطعت (45) دينارا من الـ (300) دينار المخصصة لترميم بناية القشلة وفق تخمينات المهندس المسؤول.
ساسون حسقيل: يا سيد ناجي افندي ناقشت هذه المسألة مع المهندس في موقع العمل ودار بيني وبينه حديث طويل وتوصلنا الى نتيجة مفادها بأن (255) دينارا تفي بالغرض.
ناجي السويدي: خلف الله عليك ساسون افندي اليس بالإمكان اعادة مبلغ التخمين الى (300) دينار. ان القشلة من المعالم التاريخية لبغداد.
ساسون: سيدنا الحفاظ على المعالم التاريخية في بغداد يجب ان يكون متوازيا مع الحفاض على المال العام.
وبعيدا عن الإهدار فالإهدار يجعل من المال (سائبا) والمال السائب يعلم السرقة ولاعجب ان تخرج بغداد باسرها تشيع جنازة الوزير ساسون يتقدمها الرصافي راثيا:
نعى البرق من باريس ساسون فاغتدت
بغــداد أمّ المجد تبلى وتندب
ولا غــرو ان تبكيــه اذ فقــدت به
نواطق أعمالٍ عن المجد تُعرب
في كتاب غازي القصيبي " الوزير المرافق" استوقفني حواره مع رئيسة وزراء الهند انديرا غاندي حين سألها عن شعورها وهي خارج الحكم.. فاجابت:" لا تصدق ولا احد يصدق ان حجرا ضخما قد ازيح عن صدري.. وعندما خرجت من الوزارة بدأت القطيعة والاتهامات ضدي، منها انني سرقت خمس دجاجات وست بيضات.".- بالضبط خمس دجاجات لا خمسة مليارات أسوة بمسؤولي هذه الأيام -.
يتوقف المشاهد العراقي لحديث السيدة التميمي أمام نقطة مهمة: ماذا حدث لمداخيل النفط، في ظل الفساد خلال السنوات الماضية، وماذا صرف منها على الشعب، وماذا نهب وهرب خارج البلاد؟ إذ بموجب معدل عام بسيط، ومتواضع، لا بد ان تكون الموازنة العراقية قد أفادت خلال الثماني سنوات الماضية من حوالي 600 مليار دولار، لم نسمع او نشاهد ان مسؤولاً توقف امام هذا الرقم وقال للسراق "حسقلوها".
شكرا للمرحوم حسقيل
[post-views]
نشر في: 24 ديسمبر, 2014: 09:01 م
جميع التعليقات 3
lمحمد توفيق
نزاهة ساسون حسقيل وزير المالية في فترات استيزاره مضرب الأمثال ، ويورد الجواهري الكبير في مذكراته الجزء السادس حادثة، وهي أن الملك فيصل الأول رغب في جعل الجواهري مستشاراً له أو مدرساً لأولاده، وهكذا حصل ، لكن الملك كان متضايقاً من الجبة والعمامة التي يدخل
بغداد
شكراً لك ذكرت لنا قصة وزير المالية حسقيل ساسون العراقي الشريف وبعد ما قرأت ما ذكرته عنه قلت رحمة الله عليك يا حسقيل ساسون ولعنة الله على حرامية المنطقة الخضراوية التي صمم برامجها اللصوصية قطاع الطرق واللصوص الامريكان مافيات الشركات النفطية والغازية المسؤو
محمد سلمان
نداء – نداء من حسقيل ساسون الى كل من يملك ذرة صغيرة جدا من شرف الوطن والشعب بعد ان عرفتم نزاهتي نتوجة الى كل منظمات المجتمع الوطني الغير مرتبطة بسلسلة الحرامية التي جاءت بهم امريكا والتي بدات تنهب منذ 2003 ولحد الان هذا النداء وجهة الى جميع من يملك الشجاع