اعلان ممول

TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > مسؤولية البعثيين

مسؤولية البعثيين

نشر في: 26 ديسمبر, 2014: 09:01 م

كسائر المدن البريطانية ومدن غرب أوروبا، خلدت لندن الى السكينة في يوم الميلاد، فلا وسائط للنقل العام تتحرك ولا محال تجارية مفتوحة الأبواب .. الجميع انسحب الى البيوت .. أمضوا يوم العيد مجتمعين، عوائل وأصدقاء.. انه يوم الأكل والشرب وتبادل الهدايا والتمنيات بأيام قابلة أحلى من الأيام المنصرمة.
أمس كان يوم عطلة الـ"بوكسينغ داي" المتمم لعطلة الميلاد، لكن المدينة استعادت فيه حيويتها وصخبها، فهذا هو يوم الاندفاع الى المحال التجارية الكبرى لشراء السلع بأسعار مخفّضة، فقد انتهى موسم ويتعيّن التهيؤ لموسم جديد .. الناس سعداء بالميلاد وهداياه ولمّته وبتخفيضاته أيضاً .. بدت الأسواق أمس كما لو أنها لم تشهد حركة بيع وشراء نشيطة عشية العيد .. الواقع انه مظهر من مظاهر الإقبال على الحياة في مجتمع لا يشغله شيء أكثر مما يشغله التمتع بحياة سلمية هانئة وتحسين شروط هذه الحياة.
العراقيون كان يمكنهم أن يحيوا حياة مثيلة، مفعمة بالحيوية والنشاط والأمل وبرغد العيش، ليس بفضل النفط وحده، فثروة المياه والزراعة كانت كفيلة بجعل العراق، كما كان على مدى قرون في العصور الغابرة، دولة غنية مثل بريطانيا ومجتمعاً متمدناً ومتحضراً مقبلاً على الحياة ومتعها ومنتجاً لمزيد من الثروات المادية والفكرية.
في سبعينات القرن الماضي بدا ان العراق قد أوشك على أن يستعيد ماضيه "التليد"، بيد ان حزب البعث الذي تولى السلطة ووعد الناس بتعويضهم عن قرون التخلف المنصرمة ما لبث، خصوصاً تحت قيادة صدام حسين، أن نكث بوعده، واستخدم الثروة الهائلة المتدفقة من آبار النفط في إقامة نظام استبدادي، أضيرت فيه حتى القوى السياسية التي تشاطر البعث في فكره القومي، بل كان البعثيون أنفسهم ضحايا لوحشية صدام في عهده وفي العهد التالي.
العراقيون جميعاً دفعوا ثمناً باهظاَ لذلك النزوع الدكتاتوري الاستبدادي الذي لم يعمل البعثيون ما يؤدي الى وقفه وتغيير المسار الذي قاد الى حروب داخلية وخارجية كارثية، ويتضاعف الآن هذا الثمن بسبب موقف قيادة البعث وبعض البعثيين من النظام الجديد، وكذلك بسبب الفشل المريع لقوى الإسلام السياسي في إقامة نظام يكون بديلاً لدكتاتورية صدام .. إنهم يقيمون الآن دكتاتورية لا تقل في الواقع سوءاً عن تلك الدكتاتورية.
بعد نحو إحدى عشرة سنة على سقوط نظامهم لم تصدر عن البعثيين أية إشارة على انهم قد راجعوا تجربتهم واستوعبوا دروسها لينظروا الى المستقبل بعين أخرى .. انهم يصرّون على ان العيب في غيرهم وليس في نظامهم الذي لم يخلّف للعراق غير الدمار التام الشامل، وهذا خلل كبير في نمط تفكيرهم قادهم الى التحالف مع أكثر المنظمات الإرهابية تطرفاً (القاعدة وداعش).. انهم مسؤولون عما آلت اليه أحوالنا، وهم يتشاطرون مع قوى الإسلام السياسي المسؤولية عن الخراب الحاصل الآن.
أن يراجع البعثيون تجربتهم بموضوعية وتجرّد أمر مهم من أجل انفسهم ومن أجل العراق ومستقبل شعبه، وليمكنهم، كما غيرهم، أن يؤمنوا لأنفسهم مكاناً تحت الشمس.. فقط في عراق آمن ومستقر ومتطور في ظل نظام ديمقراطي حقيقي.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

جميع التعليقات 2

  1. عمار

    وهل تتوقع أن يتمكن البعثيون من أن يكونوا موضوعيون وهم يؤمنون بحق قيادة المجتمع محصورة بهم وبهم فقط ويجب منع الفكر الآخر المختلف وإن كان أشرف منهم في ممارساته وتعامله وأخلص منهم للشعب وسعادته وللعراق وكينونته وإستعمال كافة الوسائل لقمعه ودحره بما فيها القت

  2. سعدي الجميلي

    الاخ عمار لا تنس أن للدول صغيرها وكبيرها مصالح وأهدافا وأغراضا متنوعة ومتشابكة . وأن المباديء والقيم التي يحملها هذا الشعب وذاك تختلف في مجالات وتتناقض بل تتصارع في مجالات أخرى . وعندما تنظر الى حال العراقيين اليوم بموضوعية وبتجرد وتقارنها بحالهم قبل ا

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

العمودالثامن: فولتير بنكهة عراقية

من دفتر الذكريات

العمودالثامن: حصان طروادة تحت قبة البرلمان

العمودالثامن: إنهم يصفقون !!

قناطر: من وصايا أبي المحن البصري

العمودالثامن: إنهم يصفقون !!

 علي حسين كان الشاعر الزهاوي معروف بحبه للفكاهة والظرافة، وقد اعتاد أن يأخذ من زوجته صباح كل يوم نقوداً قبل أن يذهب إلى المقهى، ويحرص على أن تكون النقود "خردة" تضعها له الزوجة...
علي حسين

باليت المدى: على أريكة المتحف

 ستار كاووش ساعات النهار تمضي وسط قاعات متحف قصر الفنون في مدينة ليل، وأنا أتنقل بين اللوحات الملونة كمن يتنقل بين حدائق مليئة بالزهور، حتى وصلتُ الى صالة زاخرة بأعمال فناني القرن التاسع...
ستار كاووش

ماذا وراء التعجيل بإعلان " خلو العراق من التلوث الإشعاعي"؟!!

د. كاظم المقدادي (3)ميزانية بائسةبعد جهود مضنية، دامت عامين، خصص مجلس الوزراء مبلغاً بائساً لتنفيذ البرنامج الوطني لإزالة التلوث الإشعاعي في عموم البلاد، وقال مدير عام مركز الوقاية من الإشعاع في اَذار2023 إن وزارة...
د. كاظم المقدادي

السيستاني والقوائم الانتخابية.. ردٌ على افتراء

غالب حسن الشابندر منذ أن بدأت لعبة الديمقراطية في العراق بعد التغيير الحاصل سنة 2003 على يد قوات التحالف الدولي حيث أطيح بديكتاتورية صدام حسين ومكتب سماحة المرجع يؤكد مراراُ وتكراراً إن المرجع مع...
غالب حسن الشابندر
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram