بعد ست حروب خاضتها جماعة الحوثيين في اليمن ضد الدولة، دون انتصار أي من الطرفين، تمكنت منذ أربعة أشهر من حكم البلاد، بعد أن تغلغلت بدهاء إلى مؤسسات الحكم ودوائر صنع القرار، متحالفة مع الرئيس المخلوع علي عبد الله صالح، ومستغلةً حركة الاحتجاج الشعبية ضد قرارات اقتصادية، رأى اليمنيون أنها تضيق على أحوالهم المعيشية ، فتمكنت بدعم إيراني مكشوف من السيطرة على أهم المدن، وخصوصاً ميناء الحديدة الستراتيجي على البحر الأحمر، فباتت تمارس عملياً سلطات الدولة، الأمنية والإدارية والمالية، ولها ممثلون ومندوبون في كل المؤسسات الحكومية، بما فيها معسكرات الجيش والأمن، ما يعني أن هناك إعادة رسم للخارطة السياسية والعسكرية والاجتماعية، في بلد يعد من أفقر بلدان العالم وأكثرها فساداً.
لم تُفلح المهادنة التي أبدتها السلطات، في منع الحوثيين من المضي في مخططهم، متجاهلين توقيعهم اتفاقية السلم والشراكة، التي ظلت حبراً على ورق لاسيما في ما يخص الجانب الأمني، فقد رفضوا سحب مسلحيهم من صنعاء وتمددوا إلى مدن أخرى، وتمكنوا من التحكم بقرارات الدولة التي خفضت لهم جناح الذل، اعتمد الحوثيون على الموالين لهم في مفاصل الدولة، للتغلغل في المؤسسات السيادية والحكومية، وتم ذلك بالتنسيق مع أتباع النظام السابق الذين تضرروا من الثورة، خصوصاً القيادات العسكرية الموالية لصالح، وهؤلاء كان لهم الدور الأكبر في احتلال الحوثيين للعاصمة عبر التنسيق الأمني المباشر، ويؤكد المراقبون أن أغلب المسيطرين على مؤسسات الدولة، هم إما من قوات الحرس الجمهوري، أو أعضاء حزب المؤتمر الشعبي العام الذي يرأسه الرئيس المخلوع.
يستلهم الحوثيون تجربة حزب الله اللبناني الإيراني من حيث البنية التنظيمية، ويتشبه زعيمهم عبد الملك الحوثي بالشيخ حسن نصر الله، من ناحية التهجم الدائم على الشيطان الأكبر وإسرائيل، ولهما في الخطاب الإيراني قدوة حسنة في هذا المضمار، وقاموا بإنشاء إدارات محلية في المناطق الواقعة تحت سيطرتهم لإدارة الشؤون العامة، ورغم ذلك فإنها على طريقة مثلها اللبناني تفضل أن تحكم من خلف ستار، وليس سراً أن ذلك كله يتم بمشورة إيران، التي دربت وأهلت المئات من المسلحين الحوثيين في لبنان، إضافة إلى إرسالها خبراء عسكريين من حزب الله والحرس الإيراني، لتدريب عناصر الحركة وتزويدهم بالأسلحة الحديثة المتطورة، وهي اليوم تتفاخر بأن اليمن ليس أكثر من كوكب يدور في فلكها، ولذلك كانت الدولة الوحيدة التي رحبت بسيطرة الحوثيين على صنعاء، معتبرة ذلك امتداداً لثورتها الإسلامية.
وبعد، فالراهن أن مؤسسة الرئاسة هي ما تبقى في اليمن من مظاهر السيادة، وهي عملياً آخر مراكز الدولة التي تحاول الاحتفاظ بما تبقى منها، لكنها تتعرض اليوم للتهجم من زعيم الحركة، الذي شن حملة انتقادات لاذعة ضد الرئيس عبد ربه منصور هادي، مُتهماً إياه بأنه مظلة للفاسدين، ومهدداً بعدم التغاضي عن ذلك إلى ما لا نهاية، ما يؤكد شذوذ الوضع الذي تعيشه اليمن، حيث تتحكم حركة سياسية غير مدنية ولا تخضع لحكم القانون، بمؤسسات وهياكل الدولة، وتخوض حرباً ضد القبائل غير الموالية، بتهمة أنها توالي تنظيم القاعدة، وهي بذلك تخطف دور الدولة المكلفة بمحاربة هذا التنظيم، الذي تتزايد أعداد المنضمين إليه ليس إيماناً بأفكاره بقدر ما هو دفاع عن النفس.
في حين تستأثر الحرب ضد إرهاب داعش بصدارة الاهتمام العربي والدولي، فإن دولة مهمة مثل اليمن تعيش صراعاً دموياً على السلطة، وتكاد تنتقل من محيطها العربي إلى أحضان الطائفية، الفخورة بإنجازاتها المُضمّخة بدماء اليمنيين.
الحوثيون يحكمون اليمن
[post-views]
نشر في: 27 ديسمبر, 2014: 09:01 م