منتصف القرن الماضي ادعى شخص كان يسكن في قرية بجنوب العراق انه خبير بمعرفة أصوات الطيور، ويمتلك القدرة على معرفة لغة التخاطب بين الدجاج، فأثارت موهبته وخبرته دهشة واستغراب الاخرين، وكان يدعو ابناء قريته لحضور استعراض يومي في الهواء الطلق،فيقوم بجمع دجاجاته، ويبدأ بإطلاق أصوات، قيق قاق قيق، بصوت مرتفع ثم ينخفض تدريجيا، وفي اخر قيق تتوجه الدجاجات الى مكان منزو لتضع البيض، فيقوم بتوزيعها بين الحاضرين، فتنهال عليه الاسئلة والاستفسارات، وهناك من يبدي رغبته في تعلم سر المهنة مقابل مبلغ من المال،والرجل كان يرفض كل العروض والمغريات، لكنه في الوقت نفسه يبدي استعداده لتقديم خدماته لأبناء القرية بإجبار دجاجاتهم على زيادة إنتاجها من البيض.
الاستعراض اليومي للخبير بأصوات الطيور كان يتضمن تقديم شرح مفصل لحركات الديكة وأصواتها حين ترغب في الاقتراب من الدجاج، والرجل يحرص على ان يقدم محاضرته للذكور حصرا، خشية حصول عواقب في حال وجود الجنس الناعم بين الحاضرين، ومع إطلاق صوت اول قيق يكون الديك قد أطاح بالدجاجة، وعاد الى موقعه منتشيا نافشا ريشه لفوزه على الخصم بالضربة القاضية بالجولة الاولى، وفيما الجمهور يطالب بالمزيد من هذه المشاهد، تتعالى وترتفع الاصوات قيق قاق قيق،حتى تصل الى القرى المجاورة، فيسارع رجالها الى حمل بنادقهم، ويتوجهون الى مصدر الأصوات لمعرفة الامر، تراودهم الهواجس بحصول مشكلة او اعتداء، ولحظة الوصول الى مكان الاستعراض، واكتشاف المهزلة، يعود الرجال الى مواقع انطلاقهم لاخفاء بنادقهم،مع إبداء الأسف الشديد لحملها في واقعة لا تستحق حمل محراث التنور.
في المجلس المسائي لأبناء القرية قرر الرجال كبار السن منع اقامة الاستعراض اليومي لخبير الأصوات، وابلغوا أباه بأنه سيكون مسؤولا في حال تجاوز الابن على القرار التاريخي الذي نال أغلبية أصوات الحاضرين، مع توصية بان يزاول نشاطه في باحة منزله، وبسرية تامة وحظر اطلاق أصوات قيق قاق قيق، وتعهد الخبير واقسم أمام الجميع بأنه سوف يتخلى عن هوايته حتى يأخذ الله امانته.
الخبير ظل محتفظا بسر معرفة أصوات الطيور، ولم يكشفه لأحد، لكنه واجه مشكلة ملاحقته بإطلاق أصوات قيق قاق قيق، من الرجال والنساء وحتى الأطفال، فاضطر الى الاستعانة بأهل الحل والعقد لإنقاذه من تجاوزات الاخرين، وفي المجلس المسائي لرجال القرية صدر قرار بالإجماع لتشكيل لجنة تحقيق تأخذ على عاتقها رصد وكشف وتشخيص من يطلق أصوات قيق قاق قيق، لانزال اشد العقوبات بحقه، ليكون عبرة للآخرين،واخذ القرار طريقه الى حيز التنفيذ بالتزام الصمت، ولكن بعد ايام قليلة ولكثرة تريد مفردة التحقيق الى قيق قاق قيق، تحول الخوف من التحقيق الى سخرية، وكاي لجنة شكلت في العراق لأغراض التحقيق في قضايا مصيرية، أغلق الملف الى الأبد.
تحـ........قيق
[post-views]
نشر في: 27 ديسمبر, 2014: 09:01 م