TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > غارات " الفضيلة "

غارات " الفضيلة "

نشر في: 27 ديسمبر, 2014: 09:01 م

أفضل واغنى رواية عن خراب الأمم، تركها لنا مواطن نمساوي اسمه ستيفان زفايج، ففي لحظة فارقة من تاريخ البشرية يكتب هذا الرجل النحيل مذكراته عن عالم مضى.
ما هو الشعور الذي سيخامرك وأنت تقرأ حكاية صعود القوى الفاشية كما يصفها في مذكرته "عالم الامس"؟ لا أدري.. حاول أن تقرأ.
يقول تسفايج: "المتعصب أبعد ما يكون عن روح المصالحة، إنه لا يعرف التسوية، لا يعرف إلا طريقا واحدا هو طريقه، لا يقبل حلا وسطا، يتوهم إنه وحده الذي يعلم، وعلى الآخرين أن يتعلموا منه، كان هذا المهووس بذاته يحنق ويرغي ويزبد إذا تجاسر أحدهم على إبداء رأي مضاد لرأيه". كان ستيفان تسفايج رجلا محبا للهدوء والطمأنينة، لكن هذا كله تحطم عندما اندلعت شرارة الحرب العالمية الاولى، لنراه يقضي ما تبقى من حياته في رحلة عذاب لا تنتهي، يكتب ويرصد ويحلل ابرز تحولات القرن العشرين، لقد اجتاحت الظلمات أوروبا ولم تعد تضيء إلا على نيران القنابل.
يكتب في احد رسائله الى توماس مان‏:‏ إن الزلازل قد قلبت حياتي ثلاث مرات متوالية‏، وانتزعتني بكل عنفها من الماضي‏، ‏ وألقت بي في هاوية، الأمر الذي يدفعني ان أتساءل كل يوم ‏:‏ إلى أين أذهب؟
لا أحب ان القي عليكم دروس الكتاب، لكن لا مفر من مراجعة تجارب الآخرين، وعندما نقرأ كم تكرر الظلم والعنف نشعر بأن العالم كله كان في يوم من الايام مسرحا للعبث والدماء.. يكتب تسفايج، ان هتلر كان يفاجئ الناس صبيحة كل يوم بقانون جديد، واحد لتنظيم التحية والآخر للنشيد والثالث لتنقية النسل الجرماني، وآخر للمحادثة.. في كل يوم بيان ثوري يقول للناس لا تنسوا إنكم جزء من الحضيرة.
كنت مثل غيري كثيرون أتوقع ان بعض سياسيينا وبسبب الأحداث الخطيرة التي تعرضت لها البلاد سيتخذون طريقا صحيحا في معالجة مشاكل الناس ويتركوا وصايا " القادة " ولكن يبدو ان ليس كل ما يتمناه المرء يدركه، فها هو النائب الحالي والوزير السابق حسن الشمري يُغير علينا من جديد ليعلن إصراره على اقرار قانون الاحوال الجعفري،، وكأن داعش لم تحتل ثلث العراق، لننشغل مع السيد الشمري في البحث عن قوانين طائفية تفرًق لا تجمع.
ماذا بقي من الوطن؟ تعالوا نبحث عنه في تصريح الشمري، الذي اكد ان كتلته السياسية ستعيد عرض القانون على التحالف الوطني، ومن ثم على البرلمان لإقراره، فيما اكد احد المقربين من حزب الفضيلة في محافظة الناصرية في خطبة دينية ان "البلاء الذي تعرض له العراق بدخول خوارج العصر من الدواعش كان نتيجة طبيعية لرفض القانون "
الى اين يريد بنا البعض ان نذهب؟، عندما نتذكر أن ما من أحد قادر على السعي للإفراج عن مشروع وطني جامع للطوائف، ولنرى مدى فظاعة المسخرة السياسية، حين يتوهم سياسي أنه ينصر الشيعة، في الوقت الذي نراه يسرق أموال الشيعة ويحاصرهم بفوضى الأمن وانعدام الخدمات، معتقدا أن قانون الأحوال الشخصية، سينهي مشاكل العراقيين وسيضعهم على سكة الأمان والتطور والازدهار.
نرجو ألا يقول أحد إن الخلافات مظهر ديموقراطي، هذه ألاعيب حواة طائفيين، أي صنف من أصناف الديموقراطية هذا الذي يفعله البعض من ساستنا والبلاد تخوض حرب وجود طاحنة؟ وفي أي ديموقراطية نجد نائبا يترك مناقشة الوضع الاقتصادي والامني، ليصر على مناقشة مسائل جانبية؟ أعتقد أن لا أحد يفكر بها، في أي ديموقراطية يكون النقاش حول قوانين طائفية الغرض منها الإساءة للطوائف الأخرى.
يكتب ستيفايج: "ليس لدى التاريخ وقت، إنه يحصي النجاحات فقط، ولا يعترف بالفاشلين، ولا يرى حرجا في أن يواريهم كهوف النسيان".

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

جميع التعليقات 2

  1. رمزي الحيدر

    الطائفية = الجهل + الانحطاط .

  2. ام رشا

    مقال رائع كعادتك أيها الكاتب النجيب ،الا يمكن ان نضع جدارا وحاجزا منيعا ونبدأ من جديد..! وفقك الله .

ملحق معرض العراق الدولي للكتاب

الأكثر قراءة

العمود الثامن: الغرابي ومجزرة جسر الزيتون

العمود الثامن: نصف قرن من التفوق

العمود الثامن: نون النسوة تعانق الكتاب

العمود الثامن: مسيرات ومليارات!!

البَصْرة.. لو التَّظاهرُ للماء والنَّخيل!

العمود الثامن: نصف قرن من التفوق

 علي حسين في مثل هذه الأيام، وبالتحديد في الثاني من كانون الاول عام 1971، أعلن الشيخ زايد عن انبثاق اتحاد الامارات العربية، وعندما جلس الرجل البالغ آنذاك خمسين عاماً على كرسي رئاسة الدولة،...
علي حسين

كلاكيت: في مديح مهند حيال في مديح شارع حيفا

 علاء المفرجي ليست موهبة العمل في السينما وتحديدا الإخراج، عبئا يحمله مهند حيال، علّه يجد طريقه للشهرة أو على الأقل للبروز في هذا العالم، بل هي صنيعة شغف، تسندها تجربة حياتية ومعرفية تتصاعد...
علاء المفرجي

البَصْرة.. لو التَّظاهرُ للماء والنَّخيل!

رشيد الخيّون تظاهر رجال دين بصريون، عمائم سود وبيض، ضد إقامة حفلات غنائيَّة بالبصرة، على أنها مدينة شبه مقدسة، شأنها شأن مدينتي النَّجف وكربلاء، فهي بالنسبة لهم تُعد مكاناً علوياً، لِما حدث فيها من...
رشيد الخيون

الانتخابات.. بين صراع النفوذ، وعودة السياسة القديمة

عصام الياسري الانتخابات البرلمانية في العراق (11 نوفمبر 2025) جرت في ظل بيئة أمنية نسبيا هادئة لكنها مشحونة سياسيا: قوائم السلطة التقليدية حافظت على نفوذها، وبرزت ادعاءات واسعة النطاق عن شراء أصوات وتلاعبات إدارية،...
عصام الياسري
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram