لم تتطرق (سهاد محي٣٥ عاماً) في بداية لقاءها بصديقة الطفولة لمشاكلها الشخصية او ما تعانيه بل اقتصر الحديث في بادئ الأمر على أسئلة اعتيادية عن الأحوال وأوضاع الحياة، ولم يخطر ببال زميلتها إن الامر بعدها سيتحول لتراجيديا حقيقية إثر سؤال الزميلة عن حياة
لم تتطرق (سهاد محي٣٥ عاماً) في بداية لقاءها بصديقة الطفولة لمشاكلها الشخصية او ما تعانيه بل اقتصر الحديث في بادئ الأمر على أسئلة اعتيادية عن الأحوال وأوضاع الحياة، ولم يخطر ببال زميلتها إن الامر بعدها سيتحول لتراجيديا حقيقية إثر سؤال الزميلة عن حياة سهاد الزوجية ومدى استقرارها فيها:
لطالما كانت لدي قناعة ثابتة بأن طفليّ(احمد ٥سنوات) ( لينا ٨ سنوات) لا ينعمان بطفولة حقيقية وانا شبه متأكدة بأنهما يعانيان الان من مشاكل نفسية جمّة، وهو ما تعكسه تصرفاتهما اليومية في البيت والمدرسة"
سهاد متزوجة منذ ما يقارب العشر سنوات ومنذ فترة الزواج الاولى بحسب قولها كان هنالك خلافات جوهرية أدت لتفاقم الوضع بين الزوجين الحديثين ما أدى الى تطور الحال لعنف كلامي تلاه عنف جسدي في بعض الأحيان، ولم يشفع وجود (لينا واحمد) من بعدها في التخفيف من حدة التوتر بل كان في بعض الأحيان عاملاً مساعداً لتأجيج الوضع وقلة استقراره .
-" ما يؤلمني اكثر من الاعتداء هو مشاهدة طفلي يعانيان معي كلما مررت بأزمة مع والدهما"
الإساءة الأسرية, أو الإساءة الزوجية او العنف الأسري بأشكاله يمكن وصفه وتعريفه على انه شكل من أشكال التصرفات المسيئة الصادرة من قبل أحد أو كلا الشريكين في العلاقة الزوجية أو الاسرية. ويتضمن العنف الأسري أشكالاً عدة كالاعتداء الجسدي (كالضرب، والركل, والعض, والصفع. والرمي بالأشياء وغيرها). أو التهديد النفسي كالاعتداء الجسدي أو الاعتداء العاطفي, السيطرة أو الاستبداد أو التخويف, أو الملاحقة والمطاردة. أو الاعتداء السلبي الخفي كالإهمال, أو الحرمان الاقتصادي, وقد يصاحب العنف الأسري حالات مرضية كإدمان الكحول والأمراض العقلية والنفسية إضافة لدوره المدمر على كيان الأسرة ككل وليس على مستوى الزوجين فقط
هنالك الكثير من الأمثلة حول العالم يتبين من خلالها الآلية التي تتعامل بها بعض الدول مع هذا التصرف وانعكاساته على المجتمع ، ففي العام 1850مثلا ، أصبحت ولاية تينيسي في الولايات المتحدة أول ولاية تجرم ضرب المرأة، وتبعتها ولايات أخرى بنفس الخطوة. وفي عام 1878 أتاح قانون قضايا الزواج إمكانية طلب المرأة في المملكة المتحدة لطلب الانفصال عن زوجها المسيء إليها. وبحلول نهاية عام 1870 كانت معظم المحاكم في الولايات المتحدة تعارض حق الزوج في تعذيب المرأة جسديا، وبحلول مطلع القرن العشرين كان بإمكان الشرطة أن تتدخل في حالات العنف المنزلي في الولايات المتحدة، اذن فالمسألة ليست بعويصة لو كان هنالك من رادع حقيقي وقوانين ملزمة ونافذة "
مشوار الألم
( شروق عدنان ٢٣ سنة) لا تختلف في حالتها كثيراً عن سهاد ،فهي الأخرى متزوجة منذ ٦ سنوات ولم ترزق بذرية من زوجها الذي يكبرها بعشرة أعوام، اما دافع الزواج الأساس فقد كان اليتم الذي عانت منه شروق بعد وفاة والدتها وزواج والدها ما اضطر شقيقة الأب لأخذها للعيش معها وبعد بلوغها سن السابعة عشرة وافقت العمة على اول عريس تقدم لابنة اخيها ممن تربطه بالعائلة صلة قرابة ، والذي اخذ شروق للسكن مع عائلته في منزل هو في الحقيقة جزء من بناية معمل الطابوق التابع لمحافظة (..) ومن هنا كانت بداية المشوار
بدأ العنف اللفظي والجسدي السافر بحق شروق من قبل الزوج ووالدته بعد تأخر شروق في الإنجاب كما تذكر قريبتها والتي كان الالم يعتصرها وهي تنظر لشروق الصغيرة الممددة على سرير المرض اثر أخذها بعض المسكنات بحسب وصفة الطبيب بعد ان وصل بها الحال لانهيار نفسي يصعب علاجه في ظل ضعف الطب النفسي في العراق ودوره الضئيل في مواجهة تحديات مماثلة، خصوصاً وانها على أعتاب مرحلة جديدة في القادم من أيامها :
مرحلة الطلاق
في إحصائيات أجريت في العام ٢٠١٢ ذكر الناطق باسم وزارة المرأة محمد حمزة عن أن قرابة 46% من العراقيات يتعرضن لشكل من أشكال العنف الأسري والغالبية منهن لا يعتبرن الكثيرَ مما يتعرضن له يقع ضمن تعريف العنف، بل يجدنه أمرا طبيعيا.
اما الأمر الخطير الاخر فهو ما ذكرته الست بلسم الكبيسي الباحثة الاجتماعية في معرض حديثها عن العنف الأسري ودوره حيث قالت ان" المشكلة الأساسية في تفشي ظاهرة العنف هو عدم وجود احصاءات دقيقة او قاعدة بيانات بسبب جهل المجتمع لقضية بهذه الاهمية ، حيث تخشى المعنّفة من الافصاح عن دور الزوج في اذيتها ويخشى الطفل كذلك الحديث والخوض بأمر مماثل لانه تدريجياً سيعتقد بأن مايحدث هو امر طبيعي فالسكوت هنا هو الحل الامثل"
واستطردت:" لذلك لن نستطيع الوقوف على حلول حقيقية من شأنها التصدي لهذه الظاهرة الخطيرة ما لم يساعد المجتمع نفسه بنفسه، حيث الوعي ثم الوعي هو المحور في هذه القضية ولا شيء سواه"
اذن
فالاعتداء بأنواعه لفظياً كان ام سلوكياً هو سلوك مدمر بكل أشكاله، مدمر لمنظومة الأسرة، ومدمر للطرفين الشريكين اللذين قد يكابدان الكثير لأجل البقاء والاستمرار بينما الحقيقة تشير الى ان الانفصال في اغلب الحالات يكون هو الحل الأسلم والأقل تأثيراً ، هذا في حال لو اختزلنا نظرة المجتمع للمطلقة او للزوج المنفصل عن زوجته والتبعات المستقبلية لهذا الأمر على اي منهما.