تزخر الأرض بمخلوقات تتسم بغرابة السلوك أو التكوين البايولوجي، أو أننا لا نعرف عن طبيعتها شيئاً. فهل تعرف، عزيزي القارئ، مثلاً، أن مجتمع الضباع تحكمه إناث ألفا alpha لها أعضاء تناسلية ذكرية زائفة؟ و أن هناك أسفنجيات تنسج أبدانها من الزجاج و تحيا لمدة

تزخر الأرض بمخلوقات تتسم بغرابة السلوك أو التكوين البايولوجي، أو أننا لا نعرف عن طبيعتها شيئاً. فهل تعرف، عزيزي القارئ، مثلاً، أن مجتمع الضباع تحكمه إناث ألفا alpha لها أعضاء تناسلية ذكرية زائفة؟ و أن هناك أسفنجيات تنسج أبدانها من الزجاج و تحيا لمدة 15,000 إلى 23,000 سنة؟ و أن هناك قناديل بحر بحجم زر النرد يبلغ سمّها من القوة أضعاف سم العنكبوت الشعري الكبير ألف مرة ؟ و ما يزال الأكثر فتكاً هو الضفدع السام الذهبي، الذي يمكن لملّيغرام واحد من سمّه أن يقتل 10,000 فأر، أو 20 إنساناً، أو فيلين أفريقيين كبيرين؟ و أن بعض طيور الطنّان تستطيع أن ترفرف بأجنحتها 80 مرة في الثانية الواحدة و أن قلوبها يمكن أن تخفق 1,260 مرة في الدقيقة؟ و أن هناك من أنواع سوس الفاكهة ما تعداده ألف مرة أضعاف أفراد عائلة القطط؟

فأنت تعرف الآن، و ستعرف المزيد من الحقائق المذهلة كهذه المعلومات في كتاب ( عشرة ملايين غريب Ten Million Aliens ) لسايمون بارنيز. و هؤلاء " الغرباء " موضوع الكتاب هم المخلوقات المتنوعة التي نشاطرها العيش على كوكب الأرض، إذ أنها بعينَي المؤلف غريبة في معظمها إلى حد لا يُصدَّق ــ فهي إما شاذة، أو رائعة، أو مبهجة، أو مثيرة للاشمئزاز. والعدد الفعلي للأنواع المتميزة غير معروف على وجه الدقة ،لكن 10 ملايين يُعد تقديراً معقولاً. و المؤكد أن الثدييات و الحيوانات الفقارية الأخرى لا تشكل إلا أقلية صغيرة من هذه الكائنات الغريبة. و كتاب بارنيز يجعل هذا واضحاً عن طريق جعل الأكثر من 90 بالمئة التي ليس لديها عمود فقري ــ من الحبار العملاق إلى تنانين الطين، و من السرطانات العنكبوتية إلى حشرات فرس النبي ــ ضمن حوالي نصف صفحات الكتاب.
إن ( عشرة ملايين غريب )، بصفحاته الـ 500 تقريباً، رحلة بهيجة كبيرة، زاخرة بالحكايات النادرة التي يسردها المؤلف بأسلوب فكاهي، و كأنه يجلس إلى جوارك في موضعك المائي المفضّل ، و يريدك أن تكون على ثقةٍ من أنه يقدم فصلاً هزلياً. و يمكن القول إنها ليست بالكتابة الرائعة، و لا هي تتصدى لأن تكون هكذا، و لهذه الأسباب فإن مَن قرأ كتباً أخرى عن تنوّع الحياة، سيكون نصيب كبير منه مألوفاً لديه. و يمكن أن يجد بعض القراء الكتاب بين الفينة و الفينة كثير الكلام أكثر من كونه ظريفاً. غير أن هناك أجزاء ممتعة، بما في ذلك موضوع طيور الطنّان الآنفة الذكر باعتبارها " جواهر تتنفس " و زيارة إلى الدورمايس dormice ( حيوان يشبه الفأر بذنب مزغب ) أعيد إدخاله في غابة برادفيلد في سَفولك، و الذي يثب من شجرة إلى شجرة، خلافاً لصورة هذا النوع التي علقت في أذهان كثيرين منا من قصة " أليس في بلاد العجائب ".
و نجد بارنيز يقطع هذا اللهو الجيد المرح، ليرجع مرةً بعد أخرى إلى رسالته الأساسية ــ إذ ليس هناك هَرَمية أو تقدم في الطبيعة ، فالبشر مرتبطون بكل جزء منها. و كما يستنتج المؤلف أخيراً " فإننا جزء من سلسلة متصلة، و مرتبطون برفاقنا الحيوانات، يربطنا النشوء، و علم البيئة ... "
و قد سبق لبارنيز أن تحدث ضد القتل غير القانوني في إنكلترا لطائر صياد الدجاج، و هو طائر جارح جميل و مدهش يمكن أن يكون قد أوشك على الانقراض الآن هناك. و كما يلاحظ بارنيز في الكتاب، فإن زوجاً واحداً فقط من صياد الدجاج قد نجحت تربيته في عام 2012، بالرغم من حقيقة أن هناك مقدرة لأكثر من 300. و في السنة التالية لم تنجح تربية و لا زوج واحد. " فطيور صياد الدجاج يفضل العيش في المستنقعات العشبية، و في إنكلترا فإن هذه الأماكن قد تم تدبيرها لمشروع صيد الطيهوج الحصري و المربح كثيراً.
و يواصل بارنيز كلامه بشأن قتل طائر صياد الدجاج، قائلاً " إن قتل طيور الفرائس جريمة، وجريمة تستحق العقوبة و زجر المجتمع. فالريف يعود لنا جميعاً، و طيور الفرائس تعود لنا جميعاً أو لا تعود لأحد و إنما لأنفسها. و مهما كان، فإن قتلها سرقة منا كلنا. و إطلاق النار على هذا الطائر لصيده سرقة مسلحة "، كما جاء في خطاب له أعيد نشره على موقعه الإلكتروني.
و بارنيز كاتب صحفي إنكليزي، متخصص في مجالات الرياضة، و البيئة، و الحياة البرية. وقد صدر له أكثر من 16 كتاباً، منها ثلاث روايات، و الأخرى في المجالات الآنفة الذكر.
عن:The Telegraph