طبعاً الذين في عمري، عاشوا وسمعوا لاءات العرب الشهيرة: لا لإسرائيل.. لا للجلوس معها في أي مكان.. لا للسلام، ومثلي أيضاً شاهدنا كيف ان العرب انفسهم تهافتوا لمصافحة المستر بيريز فيما رفعوا السيوف بوجه بعضهم البعض.. وبدلا من ان تذهب الدبابات العربية لطرد الإسرائيليين من القدس توجهت فوهاتها صوب شوارع واقضية بغداد وبيروت وصنعاء ودمشق وطرابلس... ثم - إليك هذه - داعش التي ترفع لواء الاسلام تتفنن في ذبح المسلمين فقط لاغير لكنها لاتنسى ان تهزج وتغني للأقصى. البعض ربما ينفي ذلك ويقول، بل إنهم يهزجون بأناشيد الفتح القريب.
أتذكر لاءات الامة العربية، وانا اقرأ تصريحا جديدا لاحد رجال الدين في بلاد الرافدين لايزال يعتقد للأسف ان هذه البقعة من الارض تعاني من انحلال أخلاقي وتفشت بها الرذيلة، فخرج علينا امس ليقول: "طالبنا منذ سنيين باللاءات الأربعة، لا للتبرج، لا للخمر، للغناء، لا للقمار، واليوم نضيف خامسة إليها هي لا للبس الضيق للشباب"، مطالباً الحكومة والبرلمان بضرورة "تشريع مثل هذا القانون الذي يؤيده أغلب سكنة المناطق المقدسة وأهالي بغداد بصورة عامة".
عندما يصر رجل دين ينتمي لتيار سياسي قدم التضحيات الكبيرة في سبيل حرية العراقيين من الدكتاتورية والتسلط ان قضية العراقيين تتلخص في الحشمة والأخلاق، فاغلب الظن انه يتصور أن الاجهزة الحكومية ما هي الا مبعوث العناية الإلهية لإنقاذ هذا الشعب من الضلالة والجاهلية، عندما يعتقد البعض من المسؤولين ان بناء الدولة لا يتم الا في التخلص من السافرات ومنع الفرح والغناء، وليس في نبذ السراق والمفسدين وأمراء الطوائف فعلينا جميعا ان نشعر بالخوف على مستقبل البلاد، لان من يقول هذا الكلام اليوم فربما غدا يحوله إلى تشريعات تقضي برجم كل من يخالفه الرأي.
يخطئ العديد من ساستنا حين يعتقدون أن الخلاف السياسي والفكري في البلاد هو خلاف بين معسكر المسلمين ومعسكر الكفار، محاولين إيهام البسطاء من الناس انهم إنما يدافعون عن الإسلام وقيمه بوجه فئة باغية تريد النيل من الدين، متناسين ان المعركة اليوم في العراق، بين قوى تتخذ من الدين الإسلامي الحنيف غطاء للنهب والرشوة وقتل النفس البريئة، وهي قيم يرفضها الإسلام جملة وتفصيلا لأنه دين يبشر بالعدالة والسماحة والخير والمساواة، ولنا اسوة في جواب الامام علي بن ابي طالب اعلم الناس بالإسلام وهو يرد على الخوارج، عندما رفعوا شعار: "لا حكم إلا لله"، فقال لهم: "كلمة حق أُريد بها باطل".
لقد ملأ البعض الأجواء صراخا على إهدار الأخلاق وضياع الحشمة وانتشار الرذيلة، ووجه برقيات الاستنكار لان اهالي بغداد يفرحون ويغنون ويسهرون، ومن حقنا الآن أن نسألهم لماذا يصمتون وهم يرون الملايين يعيشون في ظروف لا انسانية، والاطفال يموتون بصمت في مخيمات اللاجئين؟
من المسؤول عما جرى من نهب لثروات البلد وإشاعة الفتنة الطائفية وقتل الابرياء وتشجيع الانتهازية والتزوير، لماذا لا يوجه البعض لاءاته لنصرة المظلومين والأرامل واليتامى ويقول بصوت واضح لا لسرقة ثروات البلاد، لا لعصابات تهجير وترويع الأبرياء، لا للقتل على الهوية، لا للتزوير، لا للخداع، لا للانتهازية والمحسوبية، لا للتدهور الأمني.
ايها السادة، الناس تريد أن تأكل وان تنام مطمئنة، لا تريد ان تبقى مهجرة تحلم بالأمان.. الناس لا تطلب من الذين أوصلهم الأمريكان إلى كرسي الحكم أن يعاملوهم باعتبارهم رعايا.. وإنما باعتبارهم مواطنين لهم الحق بالعيش في بلدهم بحرية وأمان وعدالة اجتماعية ومساواة.
علينا ان نفكر في مئات آلاف من النساء والاطفال الذين يعيشون في الخيام بلا بيت يلجأون اليه، علينا ان نفكر في الملايين الذين لم تمنحهم هذه البلاد سوى الموت ودروب الغربة وعصابات داعش، ولاءات تتكاثر كل يوم وكل ساعة لتحاصر مساحات الامل والمسرة في حياتهم.
اللاءات الخمس للفقراء فقط
[post-views]
نشر في: 29 ديسمبر, 2014: 09:01 م
جميع التعليقات 1
ام رشا
أستاذ علي لن تبقى بغداد مرتدية السواد وغارقتا باحزانها فجرها سيشرق من جديد متى ما حررت من الميليشيات التي احتلتها وتفرض عليها الان لاءاتها ستبقى بغدادنا بغداد العراق بغداد الأدب والفن والفرح والجمال بغداد أبو جعفر المنصور. على ذكر الاءات اكيد حضرتك تت