ساهمت بريطانيا وأستراليا مع الإدارة الأميركية، بإسقاط مشروع القرار الفلسطيني المؤيد من الدول العربية كافة لإنهاء الاحتلال، الأولى بامتناعها عن التصويت، والثانية برفضه في جلسة مجلس الأمن الدولي، وبينما أيدته ثماني دول، فإن إقراره كان بحاجة إلى تسعة أصوات، وبررت واشنطن موقفها بالقول إن المشروع لم يخضع للنقاش ويفاقم الصراع والمواجهات بين الطرفين، وبصفاقة منقطعة النظير أعلنت أن وقوفها ضد المشروع لا يعني أنها مع المعاناة التي يعيشها الفلسطينيون، وأكدت السعي لإيجاد سبل لتحقيق تسوية تفاوضية بين الفلسطينيين والإسرائيليين، وشددت أن هناك بنوداً في مشروع القرار لا تساعد في تقدم المفاوضات.
وهكذا انضمت إسرائيل وبعض الدول الغربية إلى حماس وبعض الفصائل الميكرسكوبية، في رفض مشروع قرار إنهاء الاحتلال، نتنياهو يرى أنّ السلطة تحاول فرض املاءات تقوّض أمن إسرائيل، وواشنطن تعلن أن مشروع القرار غير بناء ولا يخدم حل الدولتين، ولا الاحتياجات المشروعة لأمن إسرائيل، وهنا بيت القصيد رغم التبجح بأن المشروع الفلسطيني، يعرقل المفاوضات البناءة التي يمكن أن تتوصل إلى نتائج ناجحة، أما الشيخ الحماسي محمود الزهار فقد وصف مشروع القرار بالكارثي وأنه لا مستقبل له على الأرض الفلسطينية.
القيادة الفلسطينية عبرت عن صدمتها للدور الذي لعبته واشنطن في إفشال مشروع القرار، وسادت الأوساط الفلسطينية حالة من الإحباط، خصوصاً وأنه كان مؤكداً قبل التصويت أن المشروع سيحصل على موافقة تسع دول، وقد نفذت تهديدها ووقع الرئيس الفلسطيني طلب الانضمام إلى اتفاقية روما للمحكمة الجنائية الدولية، وإلى نحو عشرين منظمة واتفاقية دولية اخرى، واشنطن عارضت بشدة" الطلب الفلسطيني ووصفته بأنه غير بنّاء،ولن يحقق شيئا من تطلعات الشعب الفلسطيني نحو قيام دولته المستقلة ذات السيادة، ونتنياهو نسج على نفس المنوال، قائلاً إن من يجب أن يخشى محكمة الجنايات الدولية، هي السلطة الفلسطينية شريكة المنظمة الإرهابية حماس.
إسرائيل تهدد بتفكيك السلطة، وهذه تلوّح بحل نفسها وتحميل الاحتلال المسؤولية، إن لم تتحول إلى دولة، ومؤكد أنه ليس بين الفلسطينيين من يرضى بأن يكون خفيراً للاحتلال أو منطقة عازلة، وهكذا نكتشف أن إنهاء السلطة هو الجامع المشترك الوحيد، المتبقي بين الطرفين الموقعين على اتفاق أوسلو، بالطبع لا يزال بين يدي السلطة خيار وقف التنسيق الأمني، وعندها فإن إسرائيل المدعومة أمريكياً، ستتحمل مسؤولية هذا الانهيار الكبير، وبالطبع فإن قراراً كهذا لن يكون سهلاً على شرائح واسعة من الفلسطينيين، المرتبطة حياتهم ومعاشهم بالسلطة ورواتبها، غير أن على الشعب الفلسطيني أن يختار بين الاحتفاظ بالسلطة، وحالة التبعية التي يعيشها اقتصاده، أو اللجوء إلى خيار المواجهة مع الاحتلال، وتحمل الأعباء الناجمة عن ذلك.
سقط وهم المفاوضات العبثية ومعه وهم بناء مؤسسات الدولة تحت الاحتلال، وبديهي أن الحل لا يكمن بالعودة إلى ما قبل أوسلو، الذي خلق وقائع على الأرض يستحيل تجاوزها، ولا بتوقيع محمود عباس طلب الانضمام إلى المحكمة الجنائية الدولية، مع أنه تحرك مبرر ومفهوم، يمثل صفعة لمجلس أمن عاجز عن الوقوف إلى جانب الحق، وإذا كانت حكومة اليمين الصهيوني تدعو الجنائية الدولية لرفض الطلب الفلسطيني، فإنه لم يعد هناك غير أن تقبل السلطة بالشرط الإسرائيلي، بعدم القيام بأي نشاطات تستهدف وضع نهاية للاحتلال، وبديهي أن وضعاً كهذا سيقود إلى مرحلة جديدة، تتجاهل الخطط الأردنية الرامية للعودة الى دوامة التفاوض، وقد يكون للتغييرات المحتملة في الإقليم الدور الأكبر في تلك المرحلة.
فلسطين بين الدولة والسلطة
[post-views]
نشر في: 2 يناير, 2015: 09:01 م