منذ ثلاث سنوات تطالعنا الصحف مع بداية كل عام جديد، بأن العام المنصرم في سوريا كان الأكثر دموية، ما يعني أن العنف إلى تصاعد ومأسسة تحصد أرواح السوريين بعد أن سلبتهم الأمن والأمان، كل ذلك جرى في حين يراهن الجميع على "الخارج"، بدل الالتفات إلى الداخل بحثاً عن حلول تحفظ لسوريا وحدتها، صحيح أن الغرب مرتبك حيال الملف السوري، وأن تغيير مواقفه يتم ببطء، لكن المؤكد أن مواقفهم ومعهم بعض العرب آخذة بالتحول، رغم التباين في آراء النخب السياسية الحاكمة، حول كيفية الخروج من المأزق الذي تبشرنا كل سنة جديدة، بأن سابقتها كانت الأكثر دموية وحصداً للأرواح.
بعد ولادة داعش ودولة الخرافة، بات السؤال الأكثر إلحاحاً في دوائر الغرب، إن كان هذا التنظيم الإرهابي يصلح بديلاً مقبولاً لنظام الأسد، كانت الدموية والظلامية التي فجرها ومعه جبهة النصرة، تحمل الجواب القاطع "لا" ليس هذا هو المطلوب، بسبب الخوف من امتداد التداعيات إلى قلب المجتمع الغربي، ولا نستثني روسيا التي عانت الأمرين من تطرف "الجهاديين" الشيشان، الذين كان النفط محرك تمردهم على موسكو، غير أن كل ذلك لا يعني أن الأمور تسير في اتجاه يصب في مصلحة النظام العلماني، فما زال هناك إسلام سياسي، يقدم نفسه للغرب على أنه معتدل، ويأمل بتكرار الفترة الأولى من تجربة الإخوان في مصر، وهي القفز إلى السلطة على أكتاف الآخرين.
رغم اتهام نظام الحكم بالطائفية، فإن الدولة السورية تقوم على دعامتين، الجيش الذي أثبت خلال ثلاث سنوات من الحرب الدموية الولاء للنظام، بغض النظر عن الدوافع، والحزب الحاكم الذي يواصل ممارسة دور الحزب القائد في الدولة والمجتمع، رغم الدستور الجديد النافذ، وهو يمر بأزمة ويحتاج كما يقول أمينه القطري بشار الأسد إلى أسلوب جديد ولغة جديدة، فقد نفّر الجماهير والبعثيين قبل غيرهم، لكنه بات قبلة للانتهازيين الباحثين عن المكاسب، وهو اليوم بحاجة إلى الحوار والتواصل مع التيارات السياسية الموالية للدولة والمقصود هنا "النظام".
من العوامل الخارجية المؤثرة في الأزمة السورية، تبرز المسألة الكردية التي يرى النظام أنها لن تحل بتحويل البلاد إلى الفدرالية أو اللامركزية، غير أن الكرد مدعومين بتأييد غربي وإسناد من كرد العراق وتركيا، يطالبون بالنص الدستوري على القومية الكردية، أما التدخلات الخارجية العملية فهي تكاد تنحصر اليوم في الدعم المالي من مشيخة قطر، والأكثر خطورة هو المشروع التركي الإخواني، الساعي لإيصال الإخوان للسلطة ليس في سوريا وحدها، وإنما في عموم المنطقة لتحويلها إلى دولة خلافة، لعل أبرز تجلياتها دولة البغدادي التي يرفض أتراك أردوغان محاربتها، بل ويسهلون انضمام المزيد إلى قواتها عبر حدودهم.
خلال الأعوام الثلاثة الماضية جاء إلى دمشق مبعوثون دوليون يبحثون عن الحل، انعقد مؤتمر جنيف بحضور النظام ومعارضيه، وعلى الأرض كانت بينهما هدنات للتهدئة ومعارك مستعرة للسيطرة على مناطق جديدة، انخرط حزب الله في الأزمة بإرسال مقاتليه إلى سوريا لنصرة النظام، ولدت دولة الخرافة الداعشية في الرقة، وامتدت إلى الموصل العراقية، هاجر كثيرون إلى خارج وطنهم وفي داخله بحثاً عن مناطق آمنة نسبياً، وفي مستهل كل عام كنا نسمع أن العام المنصرم كان أكثر دموية، فهل يحق للسوريين توقع أو الأمل بعدم سماع أو قراءة هذه العبارة في مطلع العام 2016، إن عشنا إلى ذلك الوقت.
ملاحظة ليست عابرة : كان العام الماضي 2014 الأكثر دموية في العراق منذ سنوات .. ما حدا أحسن من الثاني.
الأكثر دموية
[post-views]
نشر في: 4 يناير, 2015: 09:01 م