البكرة اي شريط الحفلة الغنائية سجلت في العام الثالث من الحرب العراقية الايرانية ، الراحلة حمدية صالح مع بناتها كانت تغني في حفل اقيم بمناسبة شخصية لأحد المسؤولين وقتذاك المعروف عنه بأنه يعشق الطرب والكيف والغناء ، وله ذكريات وصور مشتركة مع مطربين معروفين ، في ذلك الحفل طلبت الفنانة من المسؤول ان يمنح غجر العراق الجنسية ، وبعد ايام قليلة من تسجيل البكرة ، صدر قرار يمنح ابناء هذه الشريحة الاجتماعية الجنسية بعد مرور قرون على حرمانهم منها ، الحصول على الجنسية وبفضل حمدية صالح وبناتها يحتم على الرجال والشباب اداء الخدمة العسكرية الإلزامية ، وكغيرهم من العراقيين قدموا قتلى وجرحى ومعاقين ، بفضل تلك الحفلة "البكرة " حققت المطربة الراحلة انجازا ثوريا لشريحة اجتماعية تعاني العزلة ويلاحقها الحيف ، ولم تستطع الانصهار بالمجتمع ، وفي السنوات الاخيرة بعد العام 2003 ، تعرضت لاعتداءات مسلحة ، وهجروا من مناطق سكناهم من قبل جماعات متشددة .
في تقرير تلفزيوني بثته فضائية عربية نهاية الشهر الماضي حول "غجر العراق " تحدثوا عن معاناتهم ورفض الاعتراف بجنسياتهم ،وفي تعليقهم على أصولهم الهندية طالبوا بتسفيرهم الى موطنهم الأصلي المفترض ، فهم هجروا من مساكنهم ، والكثير منهم تعرض للقتل ، وما تبقى منهم اتخذ من إسطبلات ساحة سباق الخيل في منطقة تقع بأطراف الكرخ ملاذا امنا لهم ، يواجهون صعوبة في تسجيل ابنائهم بالمدارس ، فانتشروا في الساحات العامة والتقاطعات وانضموا الى مجاميع المتسولين .
على الرغم من وجود اكثر من منظمة تعنى بحقوق الإنسان في العراق وهيئة عليا مستقلة ، ولجنة نيابية ، ووزارة ومئات الناشطين والناشطات ، لم تكلف جهة واحدة نفسها بزيارة اماكن سكن ابناء هذه الشريحة ، فهويات احوالهم المدنية تحمل رقم قرار ، يشير الى نسبهم ، والرقم اصبح لعنة تطاردهم ، والكثير منهم يتحاشى حمل اوراقه الثبوتية فاضطر الى الاستعانة بسوق مريدي للحصول على هويات مزورة ، تنقذه من الاحراج والنظرة الضيقة .
في حالات الصراع والنزاعات المسلحة تدفع الاقليات الثمن ، فهي المنطقة الرخوة الصالحة للغزو والفتك والقتل ، وفي التاريخ القديم والحديث شواهد ووقائع كثيرة ، واحتفظت المنطقة العربية بالحصة الاكبر ، وفي سنوات الاحتقان الطائفي في العراق ، اتفقت الجماعات المسلحة على ملاحقة الغجر ، لانهم لا ينتمون الى اي مذهب او عشيرة ،على الرغم التزامهم بتقاليد وعادات المجتمع .
ربما يندرج الحديث عن معاناة غجر العراق في المرحلة الراهنة ضمن البطر ، وحتى الكلام عن ثقافتهم يدخل ضمن المحظورات ، وفي الدول المتحضرة تولت جهات رسمية رعاية فنونهم ، لإغراض سياحية ، والحصول على موارد مالية ، وبعد رحيل حمدية صالح ، لم تظهر في الساحة من يشغل فراغها بتسجيل بكرة جديدة ، وبيعها في الأسواق الخليجية للحصول على موارد مالية تسهم في معالجة الخلل في موازنة العام الجديد.
بكرة حمدية صالح
[post-views]
نشر في: 4 يناير, 2015: 09:01 م