التحدّيان الأعظم اللذان نواجههما، مجتمعا ودولة، الآن هما الإرهاب والفساد المالي والإداري، وإذا ما دققنا في الأشياء بعيون مفتوحة على الآخر سنجد أن من أسباب تفشي الإرهاب والفساد ضعف دور الدولة وغياب هيبتها.
الدولة كيان منظم للمجتمع. ولكي ينجح هذا الكيان في مهمة التنظيم لابدّ له أن يحقق هيبته عبر القوانين واجبة التطبيق والملزمة للجميع. وعندما يجري التحلل من هذه القوانين بأي مستوى وبأي شكل تنهار هيبة الدولة ويصبح عصياً عليها تطبيع أوضاع المجتمع.
على مدى عشر سنوات أعطت الحكومات المتعاقبة وكبار المسؤولين عنها مئات التعهدات بدحر الإرهاب ومكافحة الفساد المالي والإداري، ورُصِدت مبالغ بمئات مليارات الدولارات لهذا الغرض، ولم يتحقق أي نجاح أو تقدم، فالإرهاب الآن أشدّ خطراً ممّا كان عليه قبل عشر سنوات، والفساد المالي والإداري أكثر تفشياً في الدولة والمجتمع من ذي قبل، ومن أول الأسباب وأهمها أن دولتنا لا هيبة لها.
لن تكون الدولة مُهابة ولن يمكنها مكافحة الإرهاب ما دامت غير قادرة على تطبيق قانون المرور مثلاً. في شوارع مدننا كافة وعلى الطرق الخارجية نظام المرور مُفتقد تماماً، وكيف لا يُفتقد ما دام الضباط والعناصر لا يطبّقون القانون المكلفين به فيرغمون سائقي العربات على الالتزام به؟ بل الكثير منهم يتواطؤون مع المخالفين، وبعض منهم يتلقى الرشاوى ويفرض الإتاوات مقابل السكوت على خرق القانون. وكيف لا يُفتقد نظام المرور ما دام مسؤولون كبار في الدولة يخرقون النظام على نحو صارخ بالسير بمواكبهم الجرّارة عكس اتجاه السير وخرق نظام الإشارات الضوئية؟
منذ ثلاثة أشهر أصدر رئيس الحكومة الجديد حيدر العبادي تعليمات بإلغاء امتيازات النواب والوزراء وغيرهم من كبار المسؤولين في الدولة بعدم الخضوع للتفتيش في نقاط التفتيش وبعدم الالتزام بنظام المرور، لكنّ شيئاً من تلك التعليمات لم يتحقق في الواقع!
مثال آخر.. سنوياً نسمع عشرات التصريحات من أمين بغداد ومحافظها بعزمهما على وضع حد للتجاوزات على الأرصفة والشوارع.. والآن فإننا لا نجد شارعاً واحداً في بغداد لم يتجاوز عليه وعلى أرصفته أصحاب المحال والدكاكين والمقاهي والباعة المتجولون.. هل لأحد أن يعطي مثالاً واحداً على شارع في بغداد غير متجاوز عليه؟.. لاحظوا شوارع الجمهورية والرشيد والسعدون والكرادة داخل والكرادة خارج و52 والنضال.. و.. و.. و.. كل الأرصفة ألحقها الباعة الثابتون بمحالهم ودكاكينهم ومقاهيهم، وبعضهم تمدد إلى الشوارع نفسها، وهو ما يجري تحت سمع وبصر عناصر وضباط شرطة المرور المنتشرين في الشوارع والساحات العامة، وتحت سمع وبصر عمال وموظفي أمانة بغداد ومحافظتها.. والحال نفسها في مختلف المحافظات.
تطبيق نظام المرور في شوارع المدن وعلى الطرق الخارجية لا يتطلب تجييش الجيوش والحشود الشعبية ولا شراء الأسلحة والمعدات والذخائر بمليارات الدولارات، وكذا الحال بالنسبة لتحرير أرصفة الشوارع من التجاوزات عليها. وما دامت دولتنا غير قادرة على تحقيق هذا كيف سيمكنها دحر الإرهاب ومكافحة الفساد الإداري والمالي؟
فتّشوا عن هيبة الدولة !
[post-views]
نشر في: 4 يناير, 2015: 09:01 م
جميع التعليقات 2
عبدالله عبدالرحيم
تشخيص اشتراكي علمي ماركسي لينيني دقيق لمشاكل العراق المعاصرة. بعد الانبطاح المزيد من التسطيح.اشد على يدي الكاتب والى المزيد.
عبدالله عبدالرحيم
تشخيص اشتراكي علمي ماركسي لينيني دقيق لمشاكل العراق المعاصرة. بعد الانبطاح المزيد من التسطيح.اشد على يدي الكاتب والى المزيد.