عشية المؤتمر المزمع عقده في موسكو برعاية روسية بين النظام السوري وبعض معارضيه، تقف المعارضة الخارجية التي أثبتت فشلها في كل مراحل الصراع، أمام مفترق طرق تحدد فيه مستقبلها، دون إمكانية المساهمة في مستقبل الدولة السورية، إن قيض لنتائج هذا المؤتمر أن تأخذ مكانها على أرض الواقع، وهو مؤتمر يأتي في خضم حراك سياسي يتوسع يومياً، من مبادرة المبعوث الدولي ديمستورا، إلى القاهرة حيث تتم اجتماعات المعارضين مع بعضهم ومع المسؤولين المصريين، ما يشي بأن شيئا ما قادم على الطريق، دون أي إمكانية لتحديد ملامحه.
يرى بعض المعارضين من غير الذين تمت دعوتهم إلى موسكو، أن هذا المؤتمر يستهدف القفز على جنيف وما سبقه وتلاه من جهد دولي، والهروب إلى مرحلة جديدة، تُستبدل فيها المعارضة القائمة اليوم بأخرى تولد من رحم النظام، ولا تسعى لتغيير شامل، ونائب رئيس الوزراء السابق قدري جميل خير مثال، كما أن الدعوة الروسية وجهت إلى معارضين بصفتهم الشخصية، وليس التنظيمية أو الحزبية، على أن يكون حضورهم دون شروط، وبشرط التخلي عن أوهام الهيئة الانتقالية أو التغيير الجذري، على أن يخوض الجميع حواراً مفتوحا دون تحديد مهل زمنية، ذلك يعني انعدام فكرة الحوار، القائمة على ضرورة وجود طرفين، فيما لا تشكل المعارضة المدعوة إلى موسكو طرفاً بالمعنى القانوني، لكونها غير محددة أو موحدة، ولاتحمل برنامجاً واضحاً متفقاً عليه.
واضح أن ما تبديه موسكو من تعاطف علني مع الشعب السوري ليس أكثر من رياء، فهي تفتش عن مصلحتها وتسعى لإبعاد خطر تمدد إرهاب داعش إلى جمهورياتها المسلمة، التي يساهم العديد من أبنائها في الحرب ضد النظام السوري الضامن لمصالحها، وهي لذلك تدعمه بالمال والسلاح والتأييد السياسي في المحافل الدولية، ثم تأتي لتقول بوجوب مشاركة جميع مجموعات وشرائح المجتمع، في عملية حوار وطني شامل وذات معنى، فهل يمكن اعتبار المدعوين إلى موسكو ممثلين لكل هؤلاء؟، وهل يمكن أن ينتج عن اجتماعهم أي معنى، غير منح موسكو صك اعتراف دولي بمساهمتها مع المجتمع الدولي في محاربة الإرهاب، الذي ابتليت به المعارضة السورية على يد الإسلام السياسي، سواء كان على هيئة داعش أو جبهة النصرة أو الإخوان المسلمين.
عشية اجتماع موسكو إن عقد، بمن حضر كما يقول الروس، يسعى طرفا الأزمة لاستعراض قوة يؤمن موقعاً مريحاً على طاولة التفاوض، بينما القوة الحقيقية على الأرض بيد التنظيمات الإرهابية المتأسلمة، وأمراء الحرب الذين توالدوا كافطر على امتداد الجغرافيا السورية، وإذ ينشغل النظام بانتصارات على تخوم دمشق، تتخبط المعارضة في القاهرة واسطنبول، في البحث عن جوامع مشتركة بين الأضداد، وتفلسف نظرية توازن الموت بين الثوار والنظام، وتفاخر بانتصاراتها في حلب والقلمون، وبجيش يضم عشرة آلاف مقاتل يتحفز في درعا للانقضاض على دمشق، ولكن وبعد ثلاث سنوات من الحرب، يمكن القول بثقة إنه ليس هناك طرف يمكنه الزعم بقدرته على حسم الأمر لصالحه، ولذلك فإن معارك الكر والفر، ستستمر بعد مؤتمر موسكو والى أن يشاء الله.
منطقياً فإن موسكو لا تملك وحدها ورقة الحل السياسي ما دامت منحازة للنظام، غير أن هناك جهات فاعلة يمكنها مجتمعة أن تقوم بذلك، وهي إيران وتركيا وأميركا والسعودية بالإضافة إلى روسيا، حيث تمثل كل واحدة من هذه الدول القيادة الفعلية للمتصارعين على الأرض، وبيدها بالقليل من الضغط إجبار الجميع على وقف القتال، والجلوس إلى مائدة تفاوض حقيقية، لا تنتهي بغير حل الأزمة من جذورها، دون أن يتبجح طرف بانتصاره على الآخرين.
مؤتمر موسكو والأزمة السورية
[post-views]
نشر في: 6 يناير, 2015: 09:01 م