TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > إرهاب سافر في باريس

إرهاب سافر في باريس

نشر في: 7 يناير, 2015: 09:01 م

الهجوم المسلح على مقر صحيفة "شارلي إيبدو" الفرنسية في باريس أمس عمل إرهابي سافر بامتياز، ولا يمكن بأي حال وعلى أي نحو القبول به أو تبريره، فهو عدوان همجي مركّب على القيم الإنسانية والمبادئ الديمقراطية وحرية التعبير وحقوق الإنسان، وينبغي ان يستفز كل إنسان حقيقي.
هو عمل مدان، وإن جرى تحت ستار كثيف من تكبيرة "الله أكبر"، لأن الذين ارتكبوه استغلوا الحرية التي وفّرها لهم مجتمع متحضر ودولة ديمقراطية قدّمت لهم ولمئات الآلاف غيرهم، الملاذ الآمن والعيش الكريم بعدما كانوا مُطاردين في بلدانهم لأسباب جنائية أو سياسية، فضلاً عن أن الجناة حملوا السلاح خارج القانون، فكانوا ليس فقط ناكري جميل وإنما أيضاً هم غادرون في الواقع، تنكّروا وأخفوا ملامحهم لينفّذوا جريمتهم الشنيعة.
وهو عمل مُستنكر لأن الصحيفة الباريسية ليست كتيبة عسكرية تقاتل في الميدان لكي يتذرع بهذا المهاجمون ومؤيدوهم والمدافعون عن جريمتهم، فالعاملون في الصحيفة، محررين ورسامين، لم يكونوا وقت الهجوم وقبله يحملون سلاحاً غير أقلامهم وأجهزة الكومبيوتر التي يعملون عليها بكامل الشعور بالأمان، ولم يكن بالتالي من الشجاعة والبطولة مهاجمتهم بالذخيرة الحيّة القاتلة على هذا النحو الغادر.
أقدس القضايا لا تبرّر قتل شخص واحد بريء، ومهما كانت الأسباب والدوافع وراء هجوم باريس، فانه لا يمكن تسويغ هذه المجزرة التي كان كل ضحاياها أبرياء، وهم محررون وعاملون في الصحيفة ورجال شرطة كانوا يؤدون واجبهم في الحراسة وحفظ الأمن، وما من أحد يملك الحق في مصادرة حياتهم لأي سبب وبأية حجة. وحتى من وجهة نظر دينية إسلامية فمن المفترض أن تكون المجزرة المرتكبة في باريس أمس عملاً أكثر بشاعة من هدم مكة، فنبي الإسلام محمد الذي ارتكبت الجريمة باسمه هو القائل بان زوال الكعبة أهون عند الله من قتل نفس بريئة، فضلاً عن أن القرآن نفسه يحرّم قتل النفس البريئة، ويشبّه قتل نفس بريئة بقتل الناس أجمعين.
إن من يبرّر للإرهابيين الذين هاجموا مقر الصحيفة الباريسية الساخرة أمس إنما يقدّم الحجة والذريعة لكل أعمال الإرهاب والعدوان في العالم، بما فيها أعمال القمع في حق مواطني البلدان العربية والإسلامية التي أضطر الملايين فيها إلى الهجرة وطلب اللجوء في البلدان المتحضرة، وفرنسا واحدة منها، طلباً للأمن والحرية والعيش الكريم.
ما حصل في الدائرة الحادية عشرة في باريس أمس جريمة بشعة استهدفت على وجه الخصوص حرية التعبير في بلد هو المهد لحرية التعبير.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

العمودالثامن: في محبة فيروز

العمود الثامن: ليس حكماً .. بل مسرحية كوميدية

العمودالثامن: تسريبات حلال .. تسريبات حرام !!

الفساد ظاهرة طبيعية أم بسبب أزمة منظومة الحكم؟

قناديل: (قطّة شرودنغر) وألاعيب الفنتازيا

العمودالثامن: الحرب على الكفاءة

 علي حسين منذ ان ظهرت الديمقراطية التوافقية في بلاد الرافدين ،والمواطنونالعراقيون يبحثون عن مسؤول مختلف يمنحونه ثقتهم، وهم مطمئنون ، رغم أنهم يدركون أنّ معظم السياسيين ومعهم المسؤولين يتعاملون مع المناصب على أنها...
علي حسين

قناطر: ليلُ العشَّار الطويل

طالب عبد العزيز يحلَّ الليلُ باكراً في أزقّة العشَّار، أزقته القصيرة والضيقة، التي تلتفُّ عليه من حدود شبه جزيرة الداكير الى ساحة أم البروم، يحدث ذلك منذ سنوات الحرب مع إيران، يوم كانت القذائفُ...
طالب عبد العزيز

محاسبة نتنياهو وغالانت أمام محكمة الجنايات الدولية اختبار لمصداقية المجتمع الدولي

د. أحمد عبد الرزاق شكارة يوم عظيم انتصاراللعدل عبارة تنم عن وصف واضح مركز ساقه الاستاذ المحامي الفلسطيني راجي صوراني عن طبيعة الدور الايجابي المؤثر للمحكمة الجنائية الدولية متمثلا بإصدار مذكرتي القاء القبض تخص...
د. أحمد عبد الرزاق شكارة

الاندماج في العراق؟

أحمد القاسمي عندما نسمع بمصطلح الاندماج يخطر بأذهاننا دمج الأجانب المقيمين في بلد ما. فاستخدام هذا المصطلح بات شائعا منذ بضعة عقود في الغرب ويُستخدَم غالبا عند الحديث عن جهود الدولة أو مؤسسات المجتمع...
أحمد القاسمي
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram