مع أننا كلنا في الهوى شرق كما يقال دائما. إلا أن التجربة المصرية هي الأغنى والاكثر وضوحاً، ومصدر الوضوح هو أن الشعب يجد نفسه بين تيارين، توجهين كبيرين هما: الاخوان المسلمون بتاريخهم الطويل وتجربتهم المعروفة والتي اتضحت أكثر في فترة حكم الرئيس السابق محمد مرسي. و(المدنية التي يقودها العسكر) والتي ابتدأت بعبد الناصر وانتهت بالسيسي أخيرا، ولا ثالث لهما. لذا كان الصراع من الوضوح بدرجة، أنْ يقف الرئيس السيسي ليدعو الى (ثورة تجديد دينية للتخلص من أفكار ونصوص تم تقديسها على مدى قرون وباتت مصدر قلق للعالم كله) كلمة للأسف لا يجرؤ أي زعيم سياسي أو ديني معتدل في العراق على قولها مع يقين كثيرين بان الوقت آن وحان لكي نجد من يقول ذلك عن الملايين.
في جانب ثان من معالجة فريق السيسي لأحوال مصر وما علق بها خلال تجربة الشعب مع الاخوان، نجد أن مفكرا كبيرا مثل سيد محمود القمني يقف ليتحدث عن آلية عصرية، مدنية، تبتعد عن مقتضى الفكر السلفي، تعمل على توحيد المصريين، ليقول لهم : (كيف يمكننا العيش مع شركائنا في البلاد –في اشارة الى الاقباط- ونحن نصفهم بأنهم نجس، وقردة وخنازير، ومصيرهم النار، لأنهم كفار؟ ويسخر من ذلك قائلا: كيف إذا أصبح الصباح والتقيت جاري، غير المسلم. هل أقول له: صباح الخير يا خنزير! ثم يستدرك :لا بد من عدم تجريح الآخر، لأن الآخر يمتلك الرد، وسيرد وهو قادر. لذا لا بد من قبول الآخر، مهما كانت دينه وطائفته . فهو شريكنا في الوطن والمواطنة، التي يتوجب علينا الإقرار بها مهما كان حجم الآخر هذا).
من يعتقد بأن العراقيين بثقافة عربية اسلامية خالصة سيجانب الصواب، لم يكن العراق بلادا مغلقة على رأي او دين او طائفة إنما كان متوالية أفكار ومعتقدات وكل واحد بيننا لو تابع سلسة تحولات أسرته خلال مئة سنة مثلا لوجد أن آباءه وأجداده لم يكونوا على المعتقد أو الفكر أو الطائفة وقد يكون الدين الذي هو عليه اليوم. فلينظر العراقيون الى مفردات لغتهم ولهجاتهم وطبائعهم وفولكلورهم سيجدون فيها العديد مما هو سومري وآشوري وكلداني وفارسي وعثماني وهذا حال الشعوب الحية، ترى لماذا يريد البعض أن يجعل الناس من المشتركين معه في الوطن نسخة منه، ولماذا لا يقبل بي إذا قلت له أنا علماني مثلا؟ أما كنت عراقيا مثله؟ ألم أكن جنديا لصق جسده ذات يوم، اما أصابني القحط كما أصابه، أما أماتني الطاعون معه؟ ترى لماذا ينفرد عني ببندقيته التي جردني منها بكثرته؟
ما بيني وبين الآخر هذا هو اعتقاده المطلق بعدم حتمية خطأ الفقيه، برواية القمني والذي يؤكد بأن الفقيه (القرطاس، رجل الدين، زعيم الطائفة) ليس بإله، ولا حلول لمشاكلنا اليوم لديه، لأن مشاكلنا لم تكن موجودة في زمنه، لذا علينا أن نطلب حلولا لمشاكلنا بعقل زماننا، الذي نعيش فيه، لا نستلها من أفواه من لم يكونوا بيننا ذات يوم . لأننا بهذه يمكنا أن نتحدث عن مرحلة يتعاضد الفكر فيها مع السياسة ليبحثا عن حلول نهائية لمشاكلنا.
وفي العودة لمشاكلنا في العراق نجد أن شبكة الفرقاء وتعّقد الانتماءات والولاءات في الدين والطائفة والمذهب والعرق تستدعي منا التفكير الذي يشترط اولا النأي عن فكرة إقصاء الآخر، مهما كان ومن ثم القبول به كمواطن قبل أن نسأله عن دينه ومذهبه وطائفته لأننا لن نعبد شارعا نسير عليه بمفردنا، لن ننطلق بمفردنا على رصيف شققناه معا بمعاول مشتركة.
سيأتي الزمن الذي يصرح فيها سيسي عراقي بما في قلوب الملايين منا من طموحات وأحلام، وسيأتي أكثر من سيد محمود القمني بنسخة عراقية خالصة ليقول لنا : ليس العراق ثقافة عربية بدوية واحدة، كذلك سيقدم على فرسه البيضاء من سيلمُّ طوائفنا ومذاهبنا ويضعها في قارورة وطنية خالصة. أطال أزمان أم قصر.
لا سيسي ولا أخوان فـي العراق .. لكن !
[post-views]
نشر في: 10 يناير, 2015: 09:01 م
يحدث الآن
مجلة بريطانية تدعو للتحرك ضد قانون الأحوال الشخصية: خطوة كبيرة الى الوراء
استشهاد مدير مستشفى دار الأمل الجامعي في بعلبك شرقي لبنان
استنفار أمني والحكومة العراقية تتحرك لتجنيب البلاد للهجمات "الإسرائيلية"
الـ"F16" تستهدف ارهابيين اثنين في وادي زغيتون بكركوك
التخطيط تحدد موعد إعلان النتائج الأولية للتعداد السكاني
الأكثر قراءة
الرأي
مصير الأقصى: في قراءة ألكسندر دوجين لنتائج القمة العربية / الإسلامية بالرياض
د. فالح الحمــراني يتمحور فكر الكسندر دوغين الفيلسوف السوفيتي/ الروسي وعالم سياسي وعالم اجتماع والشخصية الاجتماعية، حول إنشاء قوة أوراسية عظمى من خلال اتحاد روسيا والجمهوريات السوفيتية السابقة في اتحاد أوراسي جديد ليكون محط جذب لدائرة واسعة من...