هل كان مظفر النواب يحتاج جواز سفر او فيزا للدخول الى قلوب العراقيين؟ قطعا لا. انه مقيم فيها إقامة دائمة ، والمقيم لا يحتاج الى جواز كما اعتقد. وهل كان من الصعب على مظفر ان يحصل على جواز سفر من النوع الخاص وليس العادي في أكثر من بلد؟ انا أقول لكم، كلا. من خلال علاقتي به كنت اعرف عن قرب كم عدد البلدان العربية التي كانت تعرض عليه أموالا وجوازات سفر وكان يرفضها بالكامل دون ادنى لحظة تفكير. شيئان عند مظفر عجيبان: يحزنه ان يجد عراقيا يتغنى بمدينة غير بغداد، ويشعر بالوحشة من دون وجود الجواز العراقي في جيبه. مرة قلت له في أول زيارة لي الى دمشق إنها حلوة. رد مبتسما: بس مو احله من بغداد. أبكاني فلاحت دمعتان بعينيه. في اكثر من بلد عرض عليه محبوه وأصدقاؤه في دول غربية كثيرة، كان قد زارها، ان يقدم طلب لجوء سياسي لينعم بجواز غربي يريحه كما فعل اغلب الشعراء العراقيين منذ اول زيارة لهم للغرب. كان يرفض ذلك ليس بالكلام بل بابتسامة حزينة لا يجيدها غيره. مرة ظفرت به بلندن يتطلع بجوازه العراقي ويتفحصه كأنه قصيدة جميلة أو فيه بقايا من ذكرى عطر وردة رازقي من حبيبة الطفولة.
أي عراقي هذا الذي ليس في قلبه شيء من (مرينه بيكم حمد) او (البنفسج) او (يا ريحان)؟ ليس غير الذي ماطل في تجديد جواز مظفر لعامين. وحكومة توزع الجوازات الدبلوماسية بالكراتين على من هب ودب وتحرم مظفر منها ، أنسميها عراقية؟ ابسط حق من حقوق الانسان هو امتلاكه لجواز سفر. وفي البلدان الإنسانية قد يكون شراء علبة سجائر أصعب على المواطن من الحصول على جواز. من يصدق ان مظفر، صاحب اهم ديوان شعري عراقي في القرن العشرين، بلا جواز سفر عراقي؟
كثر الله خيرك دكتور حيدر العبادي لأنك طويت تلك الصفحة المخجلة التي أتمنى ان تعيد فتحها ولو بينك وبين نفسك لتحقق في السبب. صدقني انها لم تكن هفوة بسيطة او مجرد قضية جواز، انما قد تدلك على الف زاغور للخراب من بينها الذي تبخرت منه 930 مليار دولار خلال عشرة أعوام.
وكان مظفر النواب بلا جواز!
[post-views]
نشر في: 12 يناير, 2015: 09:01 م