(1)
كأن العراق يحتاج مزيداً من الرايات.. ها هو "داعش" يضيف راية سوداء جديدة.
لم يرفع العراق راية عراقية طيلة حياته.. الراية دائماً ترتفع "فوق" العراق وليس من العراق.. ولا للعراق.
تضمر راية بلد، أي بلد، إشارات حياته الدفينة والمعلنة، مما قبل ولادته (آشوربانيبال مثلاً) وحتى تألقه (وانحداره أيضاً) مروراً بأحلامه المتيسرة والمتعسرة، ولا بأس بإشارة ما إلى صبواته مهما التبست.
مرّ عامٌ آخر علينا.. على العالم كله.
.. والعراق من هاوية إلى أخرى.
متى لهذا الحصان الجامح أن يستريح؟
عرب وشيشان وأوزبك وأفغان وفرس وغربيون بسحنات شرقية وعربية أكملوا حشدهم في قلب الوطن لكأنهم انبثقوا من تحت قدمي الوطن.. يعيدون إنتاج أسوأ ما في الإسلام من نصوص وتعاليم بينما يقف زعيمهم على المنبر ينذر الجميع ويهددهم بالسيف والنص العنيف ليكونوا تحت إمرته ويبايعوه في العودة إلى السلف العنيف ورفض كل ما أنتجته الحضارة الإنسانية من علوم وفنون وآداب وأزياء وطعام وشراب وملابس جينز وقصات شعر وموسيقى لأنها لا تمت إلى الإسلام بصلة.. بينما تظهر ساعته الرولكس الذهبية من تحت كمه في غفلة من اللغة، هاربة من النص، ضاحكة من الجميع.
هل هم صناعة عراقية؟
هل هم صناعة عربية؟
هل هم صناعة أجنبية؟
أم هم صناعة تجميعية لكل خردة العالم الصدئة؟
الألوان تستولد بعضها: الخاكي عمّرَ طويلاً في بلاد المياه والنخل وتكرّس لوناً للاستعراض العسكري وحراسات الوطن وفي جبهات الحرب وساحات المدارس وستوديوهات التلفزيون والإذاعة وفي لغة الجريدة وخطاب الرئيس وندوة التاريخ المجيد وجوهر الرسالة الخالدة، حتى انتشر الأسود على القباب والمآذن وبوابات القلوب وواجهات البيوت وأجسام النساء وحقائب التلاميذ وإفطار الصباح وشاي المساء حيث الجثث لم تجد من يدفنها بل ممنوع على ذوي القتلى حتى إقامة مجلس عزاء وقراءة سورة الفاتحة.
الخاكي يستولد الأسود دائماً.
حروبنا "الصغيرة" داخل حدود البلد، خاضها الانقلابيون: رشيد عالي الكيلاني وأحمد حسن البكر – صدام حسين وعبد السلام عارف وعارف عبدالرزاق وأضرابهم، ليكون الشعب العراقي هو الشعب الوحيد عبر التاريخ الذي يحرق كتبه أو يدفنها أو يلقيها في الآبار لأنها دليل إثبات على المعارضة ورفض انقلابات العسكر حيث الكتب هي الميدان الوحيد لممارسة الديمقراطية حتى لو كانت مجرد حوار ثنائي بين الكاتب وقارئه.
خضنا تلك الحروب المحلية (الصغيرة) مع أو ضد، وفي كردستان كانت الحكومة تزج بنا في جيش عرمرم لقتل أشقاء شمال القلب: الكرد.. كان شعارنا، آنذاك: الديمقراطية للعراق والسلام في كردستان.. شعار صار دليل إثبات آخر لينبح رشيد مصلح: أبيدوهم حيثما وجدتموهم.
رغم أن الفاشيست، في أي بلد، لا يحتاجون إلى أدلة ثبوتية لقتل خصومهم، لكنهم يشفعون عملية القتل بخطاب أعمى ومن طرف واحد باتجاه "متهم = مجرم" مكمم الفم ومعصوب العينين. إنهم تركوا أذنيه ليسمع الخطب فقط بما فيها خطبة "القاضي".
"حروبنا الصغيرة" ليست كافية.
غالباً ما تضيق الحرب الصغيرة بنفسها عندما تتراكم الكراهية.. ولا بد من منفذ إلى حرب أكبر: حرب مع الجوار.. ضد سوريا عندما يكتشف صدام حسين فجأة: مؤامرة بعثية سورية ضد سلطة البعث العراقي فيشرع بقتل رفاقه في ساحة ليست بعيدة عن قاعة الخلد، قاعة الاجتماع.
هذا ما فعله برفاقه قادة الحزب الحاكم وكوادره المتقدمة، فما الذي سيفعله بخصومه، إذن؟
عام جديد.. راية سوداء أخرى
[post-views]
نشر في: 12 يناير, 2015: 09:01 م