لم تكن المفاجأة، في العملية الأمنية التي شنها الجيش اللبناني ضد سجن رومية، بقدر ما كانت في الكشف عن وجود غرفة عمليات في السجن، تُجند الانتحاريين وترسلهم في مهماتهم، وقد قاوم السجناء فأوقدوا النار في فراشهم، بعد إدراكهم أن ثمة خطة أمنية لمداهمتهم بحثاً عن أجهزة خليوية، استخدمت في اتصالات تمت بين السجن، وبين الانتحاريين اللذين نفذا هجومي جبل محسن في طرابلس، حسناً أن العملية انتهت سريعاً، إذ أتت صاعقة ومفاجئة، لكنها فجرت سؤالاً نظن أنه سيظل معلقاً ودون جواب، عن كيفية تمكن المساجين من التخطيط وتنفيذ عمليات انتحارية، وأين كانت قوى الأمن المكلفة بحفظ النظام بين المعتقلين، إلاّ إن كان سجن روميه مختلفاً عن سجون العالم.
ما بين وصفه بالأسطورة والفزاعة بعد اقتحامه، كان مبنى الإرهاب في سجن رومية يحظى بمعاملة خاصة، حيث تمتع نزلاؤه بسطوة على زملائهم وامتدت إلى الحراس، فمنع أمير الطابق الثالث في مبنى الموقوفين "ب" حرّاس السجن من اجتياز حدود إمارته، وأمر مريديه بكسر الحدود بين الغُرف، جُلِد سجناء لأنهم خالفوا تعاليمه، وفُرِضت الجزية على آخرين، حتى أنه أُقيم حد القتل على سجينين شنق أحدهما وأعدم الثاني بطلقتين في الرأس، تحكم السجناء الإسلاميون بباقي الموقوفين الجنائيين، بعدما خلّعوا أبواب كل الزنازين، وباتت طبقات المبنى الثلاث تحت سيطرتهم، في حين كانت التقارير الأمنية تؤكد بأنّ السجن تحوّل إلى غرفة عمليات، تُشغّل خلايا أمنية في الخارج عبر أحدث وسائل الاتصال، وكانت اللحظة الفارقة حين الكشف عن وجود ارتباط وتنسيق، بين أحد منفذي مجزرة جبل محسن ومجموعة في السجن، كانت خطة اقتحام السجن جاهزة، تنتظر القرار السياسي لإنهاء الظاهرة الشاذة، وبدء التحقيق مع مشبوهين يتمنعون عن حضور جلسات التحقيق والمحاكمة أمام القضاء.
ظل أمراء السجن على ثقة بأن العملية لن تكتمل، فخرج الموقوف اليمني أبو تراب مطالباً بوساطة سياسية، وعند رفض رجال الأمن ذلك، ردّ السجناء برمي الحجارة والأدوات الحادة، ثم فرّوا إلى غرفهم، وأرسلوا مفاوضاً عرض إخراج السجناء، وكان شرط قبول عرضه هو خروجهم واحداً تلو الآخر، على أن يكونوا عراة من الأعلى، أُنجزت المهمة بتكبيل جميع السجناء ونقلهم إلى مبنى آخر، وتوزيعهم على غرف بأبواب، وتم التفريق بين الجنائيين منهم والإسلاميين المتهمين بالإرهاب.
بعد هدم الأسطورة بات أمراء الموقوفين جمال دفتردار ونعيم عباس وعمر الأطرش وأبو تراب وأبو عبيده وأبو الوليد وأبو سليم طه وحسام الصباغ، تحت سيطرة قوى الأمن، دون أن تشهد صيدا تحركات كانت متوقعة للتضامن مع "أهل السنة"، على غرار حركات أحمد الأسير، غير أن مخيم عين الحلوة بدا كساحة إسناد خلفي لرومية، حيث استنفر مسلحون من جند الشام وفتح الإسلام، وقطعوا أحد مداخل المخيم، تضامناً مع سجينين فلسطينيين متهمين بالإرهاب، لكن ذلك لم يستمر بعد الإعلان عن انتهاء العملية، غير أن المفاجأة أتت من جبهة النصرة، التي هددت باتخاذ إجراءات ضد الجنود اللبنانيين الذين تحتجزهم.
اليوم وبعد وضع حدّ للحالة الشاذة في سجن رومية، يبرز السؤال عن ما إذا كانت هناك ضمانات بعدم تكرار المشهد نفسه في مبنى آخر، مع الأخذ بعين الاعتبار وعود المسؤولين بمنع استنساخ التجربة.
سجن وغرفة عمليات
[post-views]
نشر في: 13 يناير, 2015: 09:01 م