TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > اسئلة عن الموتى

اسئلة عن الموتى

نشر في: 14 يناير, 2015: 09:01 م

لم تعد ارقام معظم الموتى واعدادهم مهمة، لاننا في بلاد عاجزة عن الاهتمام حتى بمعظم الاحياء. لكننا نحن الذين نمارس الحياة بأشد الطرق غرابة في هذه البلاد، نحتاج ان نحاور الموتى لنفهم انفسنا احيانا. هكذا يفعل الكثير من النساء والرجال، مرة لمواساة انفسهم، واخرى لتفريغ شحنة التعجب والذهول من كل ما يجري. التعجب من وقوعنا في فخ الحماقة مليون مرة، والتعجب من رهاننا على ان الحل يتحقق بمزيد من الدم.
لقد استراح الموتى دونما شك. وعلى اي حال لا احسب ان بهم رغبة لفهم ما جرى، فكل سين وصاد هي سواء في عالم الفناء. لكن هذا لا يرفع عن كاهلنا مسؤولية التفكير بمعنى فنائهم لانه مثل معنى حياتنا، سواء تحدثنا عن اطفال تجمدوا وماتوا في مخيمات عراقية وسورية، اثر جليد التاريخ الذي جمد كل شيء حولنا، او شباب يفتكون ببعضهم على كل خطوط التماس.
اخطر الاعترافات التي يدلي بها الاحياء للفانين، هو ان "القضية" التي سال بسببها الدم، او انجمد في العروق والقلوب، هي قضية برسم البيع على طاولة معظم الساسة. كل الصراخ الذي نسمع، وكل العناد الذي نرى، وكل الامتناع عن الحوار والتسوية، هو امر متغير، وموقف متزعزع، لا في حروبنا المخزية هذه وحسب، بل هكذا يشتغل الزيف والكذب على طول الخط.
اكثر ما يؤلم امثالي من الاحياء وهم يفكرون بالموتى، ان المواقف التي بدت مقدسة، ستتغير عاجلا ام اجلا. وان طوابير الضحايا كانوا مجرد عدد فائض تخلصت منه الطائفة او الحزب، في محاولاتها العادية لخوض اللعبة الحمقاء.
ان الحماقة موجودة لدى كل الامم، لكن ما يؤلم هو ان امتنا تعيش "فوضى حماقة" ذات ضرر فادح. ان الامم المحظوظة تكون قادرة على "تنظيم حماقتها"، بالضبط كما تنظم حركة مرورها وتضبط رائحة دورات مياهها. اما الامم التي تنتج موتا اكثر، فهي التي تفقد السيطرة على كل شيء.
وليس الامر مستدعياً للعجب، اذ ان انفلات الفوضى سببه كثرة العطالة وانعدام موهبة الابتكار، التي تجعل الزعماء يشعرون بالفراغ، ولا يحسنون ملأه بصناعة مفيدة او تجارة مجزية او تقدم حسي وروحي، او استمتاع ببعض العدالة، انهم لا يجدون ما يفعلون سوى تكرار ما حصل من عناد ينتهي بالهزيمة، وهو امر تكرر وتكرر في اخر عشرين قرناً.
لم نستطع تطوير معنى البطولة، ولا معنى السياسة، ولا حتى نمط التعذيب وشكل القتل. لم نجد اشياء اكثر اهمية ننشغل بها سوى لعن بعضنا المؤدي الى قتل بعضنا. توقفنا عن الاكتشاف والاختراع وتدوين الحكمة وحتى تسجيل التواريخ، فضقنا ذرعا وسئمنا الايام المتشابهة، لذلك انشغلنا بالحرب، واستسهلناها. لم نبتكر صيغة ممكنة للحياة فكان الاسهل هو التوغل في عوالم الموت المؤلم.
لقد تفشى التحريم والمنع وقام بتطويق كل فرص الابتكار، ولا احد يعترف في الوقت المناسب، باننا لم نترك لشبابنا سوى التفنن بأسلوب الهلاك وابتكار طرق موجعة للنهاية.
ولاننا ندور في تفاصيل صراع مزيف وغير منطقي، صراع بدائي وغريزي جدا، مستند لانفعال بدائي مضحك، فاننا في لحظة الانهاك وتضخم الهزيمة وهلاك خلق كثير كثير، سنعترف اخيراً بان التنازل "صار ضروريا لمستقبل الشعب"، وان المرونة "باتت مهمة لتحقيق مصالح الامة". وسنتعامى عن حقيقة ان معظم الشعب ميت او فاشل، وان الامة لم تعد تستحق وصف الامة.
وسيصدر قرار الصلح، وحينها سيصفق الاحياء، ولكن لن تكون فرصة لدى الموتى كي يطرحوا اسئلتهم الاخيرة، على ركام الخداع والتضليل الذي ننحدر في حضيضه، وندفع ضرائبه، وننشغل بمعاركه الزائفة، التي هدفها الوحيد اجبارنا على نسيان معارك حقيقية اخرجتنا من سباق الحياة.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

جميع التعليقات 2

  1. بغداد

    اكبر هولوكوست في تاريخ العالم هو هولكوست الانسان العراقي منذ ان قررت امريكا حصار الشعب العراقي عام ١٩٩١ أذاقوا الشعب العراقي جرعاً ومرضاً ثم ضعافاً وقتلاً بطائراتهم الحربية التي كان محرم الحرب بيل كلينتن و مادلين أولبرايت يتلذذون بقتل وموت الملايين

  2. بغداد

    اكبر هولوكوست في تاريخ العالم هو هولكوست الانسان العراقي منذ ان قررت امريكا حصار الشعب العراقي عام ١٩٩١ أذاقوا الشعب العراقي جرعاً ومرضاً ثم ضعافاً وقتلاً بطائراتهم الحربية التي كان محرم الحرب بيل كلينتن و مادلين أولبرايت يتلذذون بقتل وموت الملايين

ملحق عراقيون

الأكثر قراءة

هل ستعيد التشكيلة الوزارية الجديدة بناء التعليم العالي في العراق؟

العمود الثامن: معركة كرسي رئيس الوزراء!!

العمود الثامن: من كاكا عصمت إلى كاكا برهم

العمود الثامن: عبد الوهاب الساعدي.. حكاية عراقية

السيد محمد رضا السيستاني؛ الأكبر حظاً بزعامة مرجعية النجف

العمود الثامن: يزن سميث وأعوانه

 علي حسين منذ أيام والجميع في بلاد الرافدين يدلي بدلوه في شؤون الاقتصاد واكتشفنا أن هذه البلاد تضم أكثر من " فيلسوف " بوزن المرحوم آدم سميث، الذي لخص لنا الاقتصاد بأنه عيش...
علي حسين

كلاكيت: مهرجان دهوك.. 12 عاماً من النجاح

 علاء المفرجي يعد مهرجان دهوك السينمائي مجرد تظاهرة فنية عابرة، بل تحوّل عبر دوراته المتعاقبة إلى أحد أهم المنصات الثقافية في العراق والمنطقة، مؤكّدًا أن السينما قادرة على أن تكون لغة حوار، وذاكرة...
علاء المفرجي

فـي حضـرة الـتـّكـريــم

لطفيّة الدليمي هناك لحظاتٌ تختزل العمر كلّه في مشهد واحد، لحظاتٌ ترتفع فيها الروح حتّى ليكاد المرء يشعر معها أنّه يتجاوز حدود كينونته الفيزيائية، وأنّ الكلمات التي كتبها خلال عمر كامل (أتحدّثُ عن الكاتب...
لطفية الدليمي

سافايا الأميركي مقابل ريان الإيراني

رشيد الخيّون حصلت أكبر هجرة وتهجير لمسيحيي العراق بعد 2003، صحيح أنَّ طبقات الشعب العراقي، بقومياته ومذاهبه كافة، قد وقع عليهم ما وقع على المسيحيين، لكن الأثر يُلاحظ في القليل العدد. يمتد تاريخ المسيحيين...
رشيد الخيون
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram