تبدو مسيرة التحولات الجمالية والفكرية في الفن العراقي شديدة التعقيد بشكل مطرد مع تعقيد الواقع الذي يعيشه, فهو من جانب مطالب بالتعبير من قبل المجتمع الذي ينتمي له ومن جانب اخر نراه يحاول التعامل مع ابتكارات عالمية في الفن ترحل ما هو محلي الى ما هو انس
تبدو مسيرة التحولات الجمالية والفكرية في الفن العراقي شديدة التعقيد بشكل مطرد مع تعقيد الواقع الذي يعيشه, فهو من جانب مطالب بالتعبير من قبل المجتمع الذي ينتمي له ومن جانب اخر نراه يحاول التعامل مع ابتكارات عالمية في الفن ترحل ما هو محلي الى ما هو انساني شامل, الا ان هجرة الكثير من فناني العراق الى الخارج منذ التسعينات وحتى الان, وضعتنا امام مقترحات جديدة لهجنة تشكيلية داخل العمل الفني, وهذه الهجنة ارتبطت بآليات انتاج العمل مفهوميا وادائيا, كما ساهمت في ظهور العديد من الاسماء الفنية البارزة في الساحة العالمية مثل الفنان العراقي المعروف، المغترب (ابراهيم رشيد) والذي يعد واحدا من الفنانين الذين حققوا تجربتهم الفنية المميزة في عالم الفن في اوروبا منذ هجرته بداية تسعينات القرن الماضي الى اوروبا, مستفيدا من الامكانات التقنية الحديثة التي اتيحت له والتي خلقها في تجربة فنية حققت نجاحا مميزا ولفتت اليها انظار النقاد ومتابعي الفن .
ابراهيم رشيد فنان تجاوز التعبير الفني في اللوحة التقليدية وعمل في تقنيات حديثة مثل الفديو ارت والانستليشن والفن في البيئة العامة وغيرها , كما انجز اعمالا فنية عالمية كبيرة كما هي في المشروع المعماري والهندسي المعروف (تورننغ تورسو) وهو اعلى برج معماري في السويد، للمهندس الإسباني والعالمي المعروف (سنتياغو كالترافا) عام 2005, واقام العديد من المعارض الفنية في المتاحف العالمية في اوروبا وشمال اميركا وآسيا منذ عام 1991 وحتى الآن, وكنت حريصا على متابعة تجربته والحوار معه بعد عودته الى بغداد من كندا, للحديث عن رؤية الاخر وتمثلاته في التجربة الفنية العراقية.
* هل كان التماس مع الآخر الغربي سببا في تحولات تجربتك الفنية ؟
- لا اعتقد ان هنالك تاثيرا علي شكل (تماسا) ثقافيا قادرا ان يحدث تحولا او تغيرا مهما ومؤثرا في أية تجربة فنية، بل ان تأثيره سيكون بالتاكيد ثانويا، ولكن (التعايش) اوما اسميه بـ(التفاعل الحيوي) مع أية بيئة ثقافية جديدة هو وحده بالتأكيد القادر على خلق تحولات ابداعية مهمة في تجربة الفنان اولا وفي المحيط الثقافي ثانيا. لذلك فان وجود التأثير والتحول الإبداعي التفاعلي في أية تجربة فنية يجب ان يكون نابعا من ذات الفنان اولا ومن البيئة المحيطة ثانيا. ولذلك فأن البلدان المختلفة والبيئات الثقافية المتنوعة التي عشتها قد أغنت في تنوعها تجربتي الفنية بتحولات اكتشافية معاصرة للفن والبيئة المحيطة بي.
* ماذا عن المستوى التقني والثقافي والفني في تجربتك؟
- حتى نفهم هذا الموضوع بصورة اعمق علينا ان نفهم طبيعة البيئة الثقافية الجديدة المولدة لهذا التحول، فهجرتي الى الغرب كانت ومازالت طويلة، فأنا قد قضيت ما يقارب نصف عمري في العراق والنصف الآخر في أوروبا واميركا الشمالية وكنت دائما حريصا على ان يكون تعاملي مع البيئة المحيطة من منظور تفاعلي وليس من منظور انعكاسي. فتجربتي في الحقيقة وليدة لثقافتين، شرقية وغربية وهما اللتان كونتا بشكل فعلي تجربتي الفنية عالميا.
ان ماخلفته الحروب المدمرة بالعراق بالبيئة والأنسان قد اثر في تجربتي الفنية والمفاهيمية للفن من منظور حداثوي جديد لم يكن متعارف عليه انذاك في العراق، وهو ما اسميته فيما بعد بـ (الفن المفاهيمي البيئوي). هذه المؤثرات البيئية قد اثارت في نفسي اسئلة عديدة و اصبحت لي فيما بعد مصدرا ثقافيا وجماليا عكس تفاعل البيئتين الثقافيتين وقادتني الى نتائج وتحولات فنية كانت في حد ذاتها بعيدة عن المفاهيم التقليدية للفن العراقي المفتون بالتاريخ والتراث والفلكلور والمهارات الفنية!
* وكيف كانت تلك التمثلات والتحولات الفنية؟
- كانت بأشكال مختلفة، من هذه المشاريع مثلا مشروع (فديو آرت) بعنوان (منظر طبيعي هش). هذا العمل الفني يعكس فهمي للبيئة والأنسان وهوعمل تركيبي على شكل ( فيديو انستليشن) لثلاثة افلام عرضت في آن واحد وبالتتابع في صالة واحدة. كل فلم يعرض على جدار منفصل. تتناوب هذه الصور بحركة دائرية مع المشاهد من خلال ثلاثة اتجاهات لتولد حركة شد ديناميكية متسارعة داخل قاعة العرض، هذا وصفا بصريا بسيطا للمشهد الفني، لكنه ليس حقيقة ما يراه المشاهد، لأن ما يختزنه هذا المشهد في معناه الضمني هو رسالة شعرية ودراماتيكية عن فكرة الموت والحياة. عرض هذا العمل في صالة (ام،أي، آي) في مونتريال في كندا عام 2010 وحقق اهتماما كبيرا في الأواسط الفنية لمل يعكسه من احساس شعري مؤثر وعميق.