كل ما تحتاجه لفعل ذلك هو لوح قديم من الخشب بشكل مربع أو مستطيل أو حتى غير منتظم، وكلما كان هذا اللوح متآكلاً بسبب الرطوبة، الإهمال، القِدَم أو الأوساخ يكون مناسباً اكثر. أطرح اللوح على طاولة. أحضر آلة حادة كأن تكون سكيناً أو مفك براغي وأترك شخطات وخربشات لا على التعيين فوق سطح الخشب، وأن أردتها أكثر عمقاً فأستعمل المطرقة في ذلك فهي ايضاً تَفي بالغرض. بعد عمل هذه الخربشات غير المنتظمة على قطعة الخشب أسكب كمية من لون ما كأن يكون أحمر على الجانب الأيمن للَّوح، وأسكب لوناَ آخر على الجانب الأيسر، وربما هنا عليك أن تختار اللون الأزرق، رش لوناً قاتماً في الوسط حتى تعطي ثقلاً لمركز العمل. بعد ذلك هيئ قطعة قماش مبللة وأمسح الألوان من سطح اللوح بشكل جيد، عندها سيعود السطح الى لون الخشب الأصلي وتبقى الأخاديد التي حفرتها في البداية مليئة باللون لأن قطعة القماش التي تمررها على السطح لا تصل الى المناطق المحفورة وهي تنظف الجزء العلوي فقط. أتركها خمس دقائق كي تجف ثم حاول أن ترسم يد متدلية من الجهة العليا للَّوح، لا يهم أن كانت مرسومة بشكل غير جيد وليست فيها مهارة، فهذا هو المطلوب وإلا ستهبط قيمة اللوحة أن كانت مهارتك جيدة في الرسم. بضع دقائق أخرى تحتاجها حتى تجف وتكون صالحة للعرض. لكن حذار أن تعمل لها أطاراً جميلاً فالحداثة لا تحتاج الى إطارات وأن وضعت لعملك إطاراً فأن العمل سيفشل فشلاً ذريعاً وتكون قد ارتكبت خطأً فادحاً لا يسامحك عليه أصحاب القاعات الحداثوية.
تكرر هذه الوصفة عشرين مرة كي يكون لديك معرض شخصي جاهز خلال يوم واحد فقط، نعم يوم واحد لاغير، فنحن في عصر السرعة يارجل ولا يمكن أن تضيّع وقتك في أعمال تحتاج الى مهارات وساعات طويلة وجديَّة أكثر من اللزوم. والأفضل هنا أن تنفذ عملاَ واحداً من بين هذه الأعمال بشكل كبير جداً بحجم مترين في مترين حتى توحي بأن العملية مقصودة وفيها رؤية وتعطي انطباعاً بأن المشروع مدروس بشكل جيد، كذلك تكرر رسم اليد المتدلية في ثلاث لوحات فقط لتبدو كأنها ثلاثية وتعطيها عنوانا واحدا مشتركا وليكن على سبيل المثال "يد القدر" فهذا العنوان يتلاءم مع ما تفكر به من جدية، ويفضل أن تذكر للصحافة بأنك قد استوحيت هذه الثلاثية من سمفونية القدر لبيتهوفن التي لا تستطيع أن ترسم بدون الاستماع اليها. لا تنسى هذه التفصيلات فهي أداة مكملة لعملك وعليك أن تتخلى لحظتها عن داخل حسن وعبد الوهاب فلن ينفعونك بشيء هنا.
وبنفس طريقة رسم الوجه ترسم على اللوحات المتبقية أي شيء يخطر على بالك وقتها، فالإلهام يداهمك الآن من كل جانب فاستثمر الفرصة كي تدخل تاريخ الفن من أوسع أبوابه، وهكذا يمكن أن ترسم فردة حذاء على واحدة من اللوحات وترسم عينا كبيرة على الأخرى وتضع علامة أكس بلون فاقع وسط اللوحة الكبيرة وبضعة أسهم تشير الى اتجاهات مختلفة على بقية اللوحات وتختار لوحتين صغيرتين كي تلصق وسطهما بالضبط حَبلين بشكل أفقي وعمودي وتعطيهما عنوانا واحدا هو "خط الحياة" فهذا العنوان يوحي بالغموض وربما بسبب ذلك سَتُباع هاتان اللوحتان عند الافتتاح مباشرة. ولا تنسى عند تعليق اللوحات بأن تجعلها كلها بشكل عمودي ماعدا ثلاث لوحات صغيرة فقط تديرها وتعلقها سوية وسط المعرض بشكل أفقي ولا تهتم لتوقيعك الذي سيظهر مقلوباً أو منحرفاً ، فليس هناك أكثر حداثة من ذلك، وهذه اللوحات الثلاث ستثير انتباه الجميع لأنها مختلفة وهي التي ستكون على الأرجح سبب نجاح المعرض.
هكذا أصبح لديك الآن معرض كامل وأصبحت فناناً مكتملاً من دون أن تدرس الرسم في الأكاديميات أو المعاهد المتخصصة، ألم يقل آرثر رامبو، لا نريد أن تبلى سراويلنا على مقاعد الدراسة؟
كيف ترسم لوحة حداثوية خلال عشر دقائق فقط؟
[post-views]
نشر في: 16 يناير, 2015: 09:01 م
انضم الى المحادثة
يحدث الآن
مجلة بريطانية تدعو للتحرك ضد قانون الأحوال الشخصية: خطوة كبيرة الى الوراء
استشهاد مدير مستشفى دار الأمل الجامعي في بعلبك شرقي لبنان
استنفار أمني والحكومة العراقية تتحرك لتجنيب البلاد للهجمات "الإسرائيلية"
الـ"F16" تستهدف ارهابيين اثنين في وادي زغيتون بكركوك
التخطيط تحدد موعد إعلان النتائج الأولية للتعداد السكاني
الأكثر قراءة
الرأي
مصير الأقصى: في قراءة ألكسندر دوجين لنتائج القمة العربية / الإسلامية بالرياض
د. فالح الحمــراني يتمحور فكر الكسندر دوغين الفيلسوف السوفيتي/ الروسي وعالم سياسي وعالم اجتماع والشخصية الاجتماعية، حول إنشاء قوة أوراسية عظمى من خلال اتحاد روسيا والجمهوريات السوفيتية السابقة في اتحاد أوراسي جديد ليكون محط جذب لدائرة واسعة من...
جميع التعليقات 2
سامي عادل البدري
رغم انك تسخر وتمزح إلا انني تخيلت الناتج لهذا المعرض جميل. سنعتبر مقالتك هذه معرضا فنيا. سأستنسخها على ورق وأعلقها على الحيطان إلى جانب مقالتك. لكن أين؟ قاعة الشعب؟ شكرا على مقالاتك الجميلة.
سامي عادل البدري
رغم انك تسخر وتمزح إلا انني تخيلت الناتج لهذا المعرض جميل. سنعتبر مقالتك هذه معرضا فنيا. سأستنسخها على ورق وأعلقها على الحيطان إلى جانب مقالتك. لكن أين؟ قاعة الشعب؟ شكرا على مقالاتك الجميلة.