TOP

جريدة المدى > عام > بعد سلسلة من المحارق.. أصل الكتاب عراقي..إنهم يحرقون الكتب في الموصل

بعد سلسلة من المحارق.. أصل الكتاب عراقي..إنهم يحرقون الكتب في الموصل

نشر في: 17 يناير, 2015: 09:01 م

(1)
لألبرت مانغويل لأنه كتب أغلبية فقرات هذا المقال.
للمولعين بالكتب.
لأعداء الكتب، أيضاً،
للذين يحرقون الكتب، في الموصل، على خطى النازية بطبعة إسلامية.. وأعرف أنهم لن يقرأوا هذه السطور.
أولى الكلمات التي أُلقيت على مسمع النبي محمد هي "إقرأ"!
م

(1)
لألبرت مانغويل لأنه كتب أغلبية فقرات هذا المقال.
للمولعين بالكتب.
لأعداء الكتب، أيضاً،
للذين يحرقون الكتب، في الموصل، على خطى النازية بطبعة إسلامية.. وأعرف أنهم لن يقرأوا هذه السطور.
أولى الكلمات التي أُلقيت على مسمع النبي محمد هي "إقرأ"!
ما يعني ثمة ما هو مكتوب، إذ لا قراءة بلا كتابة.
بلاد الرافدين التي عرفت الكتابة، قبل العالم كله، ليست بعيدة عن ذلك الغار الأسطوري الذي همس فيه الله بإذن محمد أن "اقرأ". 
صحيح إن المسلمين الأوائل لم يعرفوا الورق، فكتبوا حتى قرآنهم المقدس، على كرب النخل والعظام، لكن قدراتهم القرائية ابتكرت نوعاً آخر من الكتابة هو "القول".
لم يقولوا، في ما وصلنا منهم، إن المهلهل، أو امرئ القيس، أو أمية بن أبي الصلت، "كتب" قصيدة، بل كانوا يقولون "قال" قصيدة، هذا ما جرى عليه عرف ثقافي ومعرفي مدون حتى العصور الإسلامية المتأخرة.
أصل القراءة والكتابة عراقي، بلا تعصب ولا عصبوية.
ألبرت ما نغويل: "هنا، أو على الأقل ليس بعيداً عن هذا المكان (يقصد مدينة الحلة التي زارها صيف عام 1989) تترسخ حسب آراء علماء الآثار جذور الكتاب في أواسط الألفية الرابعة قبل الميلاد ، جرت مع اكتشاف الكتابة عملية خلق القارئ – الدور الذي كان موجوداً قبل ظهور القارئ الأول. وعندما خط الكاتب الأول علاماته في الصلصال فإنه استبق في الواقع فن القراءة الذي كانت تدويناته ستصبح (من) دونه بكل بساطة عديمة المعنى. كان الكاتب يعد الرسائل ويخلق العلامات، إلا أن علاماته كانت بحاجة إلى شخص آخر يستطيع قراءتها وإعطاء الرسائل صوتاً تنطق به.. الكتابة كانت بحاجة ماسة إلى القارئ".
"جمع كتّاب بلاد الرافدين بأيديهم الكثير والكثير من أدوات القوة ما جعلهم يرتقون السلم الاجتماعي ليصبحوا نخبة أرستقراطية". (*)
كان رقيم الصلصال أول وسيلة اتصال بين البشر.
.. ولقطع الطريق على اتصالات البشر ابتكر أعداء البشر وسائل شتى للحيلولة دون هذا الاتصال، عبر العصور القديمة والحديثة، ففي عصور العبودية كان العبيد، تحت ضغط الحاجة اليومية، يبتكرون وسائلهم القرائية بسرية تامة، وصمت مطبق، لأن عقوبة القراءة كانت قاسية جداً، عندما أدرك أسيادهم بالخبرة أن العبد يكف أن يكون عبداً عندما يقرأ. القراءة فعل خطير في بيئة قائمة على التجهيل، لأنها فعل حرية.
(2)
"عند صدور الفتوى ضد سلمان رشدي بسبب روايته "آيات شيطانية" حيث علم الجميع بأن هذا الكاتب مهدد بالقتل نتيجة ذلك، كان الصحافي التلفزيوني الأميركي جون إينس يضع نسخة من الرواية مدة أشهر عديدة على طاولته خلال تقديم برنامجه التلفزيوني (من) دون التطرق بكلمة واحدة إلى الكتاب أو إلى رشدي أو آية الله الخميني. إلا أن مجرد وجود الكتاب إلى جانبه كان بمثابة تضامن القارئ مع مصير الكتاب ومؤلفه".
إن وجود الكتاب على طاولة مقدم البرنامج هو بمثابة شريط أسود نضعه على صورة القتيل تعبيراً عن تضامننا من دون الحاجة غلى مزيد من الرثاء وتعداد المناقب، وأكاد أتخيل كتاب القرآن موجوداً جوار محراب المسجد في الموصل حيث جرت عملية إحراق الكتب في الساحة القريبة للمسجد، وهذا سبب كاف للتأسية بأنهم لا يستطيعون حرق كل الكتب، حتى لو بقي القرآن فقط.
(3)
لم يستطع النازيون، بأوامر من الفوهرر، إحراق كل الكتب في تلك الحادثة الشهيرة ببرلين لأن ألمانيا بأسرها أعادت الاعتبار للكتب والكتاب وظلت مناراً للمعرفة والإبداع: 
وكالات: "أحيت ألمانيا الذكرى الثمانين لإحراق كتب على يد النازيين، ونظمت مجموعة من الأنشطة الثقافية للرجوع لهذا الحادث والوقوف على أهم محطاته.
وقال رئيس البرلمان الألماني (البوندستاغ) نوربرت لامرت الذي حضر الاحتفال في جامعة هومبولت في العاصمة برلين، إن ألمانيا لم تعد بعد إلى السمعة الفكرية الدولية التي كانت تتمتع بها قبل وصول النازيين للحكم، مشيرا إلى أنهم أحدثوا "قطيعة مع الحضارة".
واستشهد لامرت بقول الكاتب النمساوي اليهودي جوزيف روث الذي قال قبل أن يتولى النازيون الحكم "إنهم سيحرقون كتبنا وكل ما يعنينا".
وفي 10 مايو/أيار 1933 أحرق النازيون في برلين كتبا لنحو 130 كاتبا مرفوضين من النظام آنذاك، وذلك بعد ثلاثة أشهر فقط من وصول أدولف هتلر إلى السلطة.
وقد شملت أحداث الحرق أيضا أكثر من 20 مدينة ألمانية، حيث امتدت إلى أعمال عدد من الكتاب الألمان المعروفين، الذين صنفتهم السلطة - في ذلك الوقت - على أنهم "ليسوا ألمانا"، وأعمال أخرى لكتاب أجانب، خاصة اليهود منهم.
وقد كتب الكاتب النازي هانس جوهست في وقت لاحق أن "الثورة الوطنية الاشتراكية بألمانيا لن تبخل على الانتقال إلى المكاتب حيث ينتج أدب من هذا القبيل".
وكانت من بين الكتب المحروقة أعمال لكارل ماركس وسيغموند فرويد وبريتولت بريشت وكلاوس مان وليون فويتشفاغنر وإيريش ماريا ريمارك وكورت توخلوسكي".
(4)
حرق الكتب.. تاريخ موجز: 
كتب فولتير: الكتب تشتت الجهل، هذا الحارس الأمين والضامن الحريص للدول ذات الأنظمة البوليسية (= تنظيم الدولة الإسلامية "داعش").
ألبرتو ما نغويل: "عام 441 ق.م أحرقت في أثينا كتب بروتاغورس وبعد ذلك بمئتي عام حاول القيصر الصيني شيهوانغ – تي إلغاء القراءة عندما أمر بحرق جميع الكتب الموجودة في إمبراطوريته، وفي عام 168 ق. م أحرقت عن قصد مكتبة القدس خلال انتفاضة المكابيين، وفي القرن الأول بعد الميلاد دفع الإمبراطور أغسطس الشاعرين كورنيليوس غالوس وأوفيدوس إلى المنفى وحرم تداول كتبهما وأمر القيصر كاليغولا بإبادة جميع مؤلفات هوميروس وفرجيل وليفيوس (لم ينفذ الأمر). وفي عام 303 أمر الإمبراطور ديوقليسانوس بحرق وإبادة جميع المؤلفات المسيحية.. عندما شاهد الشاب غوته في فرانكفورت إحدى عمليات حرق الكتب أحس كأنه يشاهد عملية تنفيذ حكم إعدام: (إن مشاهدة شيء غير حي يحرق أمر مروع بحد ذاته – كتب غوته)".
لكن الكتب، عندي، كائنات حية، فكم من شخصيات الكتب عاشت معنا في أشد لحظاتنا وحدة، أو احتفلنا معها في أكثر مباهجها تألقاً، وكم بكي الملايين مع الشاب العاشق فرتر، وهل ننسى أولئك السجناء وهم يدونون أوجاعهم على "جدار" سان بول سارتر أو "السبعة الذين شنقوا" للروسي ليونيد أندرييف (1871 – 1919) وغيرهم كثيرون ممن ما زالوا يقيمون بيننا؟
كتب الموصل المحترقة ستجد طريقها إلى الحياة ثانية، مثلما استمرت كتب العالم التي فرضت نفسها على المطابع لاحقا عبر العصور، رغم المحارق، وفي عودة بسيطة إلى كتاب الراحل عمر الطالب "موسوعة أعلام الموصل في القرن العشرين" سنعيد طباعة كل ما أحرق من تلك الكتب، ومما قبلها وبعدها.
شكرا آلبرتو مانغويل كأفضل من كتب عن الكتب وتاريخها وعن القراءة ومكابداتها.
شكرا سامي شمعون الذي ترجم الكتاب بصبر ودهشة.
تاريخ القراءة – آلبرتو ما نغويل، دار الساقي، ترجمة سامي شمعون 2001.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق معرض العراق للكتاب

الأكثر قراءة

موسيقى الاحد: 14 رسالة عن الموسيقى العربية

تصورات مغلوطة في علم السرد غير الطبيعي

رواء الجصاني: مركز الجواهري في براغ تأسس بفضل الكثير من محبي الشاعر

حينَ تَشْتَبِكُ الأقاويلُ

ملعون دوستويفسكي.. رواية مغمورة في الواقع الأفغاني

مقالات ذات صلة

علم القصة - الذكاء السردي
عام

علم القصة - الذكاء السردي

آنغوس فليتشرترجمة: لطفيّة الدليميالقسم الثاني (الأخير)منطق الفلاسفةظهر الفلاسفة منذ أكثر من خمسة آلاف عام في كلّ أنحاء العالم. ظهروا في سومر الرافدينية، وخلال حكم السلالة الخامسة في مصر الفرعونية، وفي بلاد الهند إبان العصر...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram