صوتٌ شعري من الجيل الستيني، كان في أول عهده راقص باليه في "فرقة الباليه الملكية" المعروفة، ثم استدار مبكراً الى الشعر وانصرف اليه، بروح ستينية بالغة الطليعية. ولكنه، رغبة منه بالاحتفاظ بفن المسرح، انصرف الى "رقصة التانغو" الكلاسيكية التي برع فيها، وأصبح أستاذاً لمن يرغب في إتقانها. انتوني أفرغ الطابق الأرضي من بيته الواسع، وجعله قاعة للتمرين باسم The Room، ولكنها قاعة للنشاط الثقافي والفني أيضاً، وبرنامجها الناشط عادة ما يضم قراءات شعرية ومعارض للرسم.
"داخل القلعة" كانت أولَ مجموعاته الشعرية صدرت في عام 1969. بعدها أصدر إحدى عشرة مجموعة شعرية كان آخرها "طريق صامت"، التي أعرض لها الآن. وله في النثر روايتان وكتبٌ عديدة أخرى. أنتوني هاول شاعر محاولات طليعية، تواصلت معه منذ المرحلة الستينية. وطليعيته واضحة في نصوصه، حتى لتبدو خليطاً من ميل لشكل شعري محكم البناء، الى مخيلة سوريالية، الى محض لعب خيالي ولفظي. وهذه العناصر الخليط، التي تعطي ثقلاً واضحاً للغة ولما يخفي اللعب التخيلي فيها، تجعل النص الشعري عصياً على القراءة. إن صوته الشعري لا يصنف وفق مدرسة، ميالٌ في مرحلته الشعرية الأخير للقصيدة الطويلة التي تعتمد مضموناً لا يخلو من غرابة، تنطوي على معنى التحدي. فأنت تقرأ قصيدة طويلة، بنيت بناء تقليدياً (ستانزا رباعية)، وذات سياق حكائي تتحدث بصورة تفصيلية وبصرية عن محاولة نقل حصان جموح الى عربة خاصة في حقل ريفي. القصيدة تمتد لأكثر من مئة مقطع، يعتمد التقفية أ ـ ب ـ أ ـ ب. قصيدة المجموعة الجديدة الطويلة تحتفل بنهر التيمز. وهي مكتوبة كمسلسل شعري ينظر، ويصف، ويتأمل في التاريخ وفي الزمن الحاضر. تعتمد في أسلوبها التعارض والاختلاف بين القصائد، وهي سمة ملفتة للنظر. فأنت قد تقرأ قصيدة حكائية بالغة اليسر والوضوح، تليها قصيدة بالغة العسر والإغلاق. والشاعر هاول يعتقد انه لم يحاول أكثر من الجمع بين أسلوبين في الكتابة الشعرية، كانا سائدين في السابق ولكن بقطيعة تامة بينهما: الأسلوب الشعري الذي ينحو منحى التشخيص الحكائي، شأن الرسم، والآخر الذي ينحو منحى التجريد اللغوي. الشاعر اتخذ المنحنيين أسلوباً، يتحرك حراً بينهما، وهو واضح في مجموعته الأخيرة هذه.
من قصائد المنحى الأول واحدة بعنوان "إنّيسفري"، وهي جزيرة حلم في قصيدة شهيرة للشاعر ييتس، وهذه ترجمتها الحرفية:
حين كانت أمي تستعيد جزيرة إنّيسفري/ وضعتها في دار العجزة/
وصرت أذهب بين الحين والحين لتناول الشاي .
حينها كانت تعجز عن تنظيف نفسها، / وعن استخدام بيت الراحة.
تقدر أن تضرب كلبها فقط ،/ وتسألني عن هذا وعن ذاك.
لم أجلس معها طويلاً/ لأني أردتُ أن أكون حراً:
لبستُ بأناقة وذهبتُ إلى البلد/ لألتقي كيري لي.
الآن كيري لي كتبت شعراً/ وكان شعرُها جيداً.
دعوتُها إلى مطعم / وطلبتُ منها أن تكونَ لي.
قالت: "على الرغم من أنني من كندا،/ لكني عشتُ سنواتٍ ست
في منطقة الوديان مع رجل / لم يغير تروسه أبداً.
لستُ على استعداد لأستقر/ مع أي شخص الآن".
ابتسمتْ أجملَ ابتسامة / ولفّت سيجارةً.
"إذن لتنامي معي، على الأقل،" قلتُ وأنا أتنهد/ "من أجل المال، إذا رغبتِ."
ولذا في كل جمعة، بعد ذلك/ كانت تزورني على دراجتها.
لك أن تقولَ بأني كنت مجنوناً بها. / متخلياً عن أمي المُسنة،
كنت أشارك الفراش كيري لي،/ فيما هي منشغلة باحتساء الروم.
في أعياد الميلاد ساءتْ حال أمي/ وتوفيت خلال أسبوع.
اضطررت إلى الذهاب إلى المستشفى / وقبّلت الوجنةَ المتجلدة.
قبل المحرقة / التي حولت أمي إلى رماد،
سمحتْ كيري لي أن أعرف / بأنها لن تحتاج نقوداً.
كانت مجنونةً ببول، كما ترى. / زميلي، الذي درستُ معه؛
وابتلعتُ أنا كلَّ شيء/ جرعةً واحدة.
لقد أحببتُ هذا التداخل الحكائي بين ولهٍ مفاجئ بامرأة شاعرة، وبين مشاعر ذنب إزاء أم تموت في العزلة. تداخل جعل الحكاية تنطوي على أكثر من معناها الظاهر.
قصائد لطريق صامت
[post-views]
نشر في: 18 يناير, 2015: 09:01 م