TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > من فاتن حمامة إلى هوكينغ.. لا عزاء

من فاتن حمامة إلى هوكينغ.. لا عزاء

نشر في: 18 يناير, 2015: 09:01 م

هل يمكن أن نتخيّل عالماً لم تظهر فيه صوفيا لورين، أوانجريد بريجمان، أو صاحبة الضحكة الخجولة فاتن حمامة، أو ساحرة السينما مارلين ديتريش، هل يمكن تخيل باريس من دون بريجيت باردو وأفلام غودار وترافو، أو إيطاليا من دون بازوليني وكلوديا كاردينالي، أوهوليود من دون مارلين مونرو ومارلون براندو أو اليونان خالية من رقصة الساحر انطوني كوين.
منحتنا سينما الأنس ودهشة المعرفة، أفلام زودتنا بالحكمة، وبعضها جعل لنا الحياة ممتعة.. بالأمس وانا مستغرق بمتابعة حياة البريطاني ستيفن هوكينغ من خلال التحفة السينمائية "نظرية كل شيء"، جاء خبر رحيل فاتن حمامة ليعلن انتهاء مرحلة من حياة هذه الشعوب كانت فيها صاحبة "دعاء الكروان" أبرز ملامحها، مرحلة بدأت منذ أربعينيات القرن الماضي، حيث صوت أم كلثوم، وانغام محمد عبد الوهاب ومونولوجات عفيفة اسكندر، وضحكات نجيب الريحاني، واهات محمد القبانجي، لتنتهي عند رايات داعش ولجان الأمر بالمعروف، وحساب عدد جلدات رائف بدوي، وميليشيات القتل على الهوية، لن يصرخ احد من بعد فاتن حمامة: أريد حلا، لأن الحلول لم تعد تنتظر قوانين تجعل من المرأة شريكا في الحياة، وإنما سبايا يرفعن شعار جهاد النكاح.
لم تكن الفتاة الصغيرة التي ظهرت مع محمد عبد الوهاب في فيلم "يوم سعيد" تدرك انها ستصبح يوما سيدة للشاشة العربية، نتذكر فاتن حمامة مثلما نتذكر فنانة عراقية كبيرة – زينب – ظلت تملك حلما كبيرا لصياغة صورة لعراق جديد شعاره المستقبل وغايته إسعاد الناس وبث الفرح في نفوسهم، جاءت زينب من عائلة فقيرة، مثلما كانت عائلة فاتن حمامة متوسطة الحال، نقلت زينب فقر حالها ووعيها وعذابات المرأة العراقية إلى كل أعمالها الفنية، فيما أصرت فاتن حمامة على أن تكون شخصية مصر في أفراحها وأحزانها، وفي الدفاع عن قضاياها، ومثلما التفتت زينب لتجد حولها يوسف العاني وإبراهيم جلال وقاسم محمد وخليل شوقي، كان طريق فاتن حمامة مرصفا بجواهر ولآلئ طه حسين ونجيب محفوظ ويحيى حقي، وليس آخرها احسان عبد القدوس وأسامة انور عكاشة.
القاسم المشترك بين الجميع لم يكن حب الفن ولا الاستمتاع بسحر السينما وأضواء المسرح، بل لانهم أتوا من جيل مأخوذ بحب المعرفة، وبالإصرار على أن ينشغلوا بهموم الناس البسطاء.
هل كانت زينب تعتقد يوما ان الفن لم يعد طريقا إلى عقول الناس وقلوبهم، واننا تحولنا الى بلاد تسعى لتدريس فوائد زواج القاصرات في المناهج الابتدائية، وإغلاق معاهد الفنون، واستبدال تحايا العلم بأهازيج طائفية، مثلما لم تكن فاتن حمامة تعتقد ان الشاشة المصرية ستنشغل بحكايات إرضاع الكبير، وتحريم مصافحة القبطي، بينما تنسحب الثقافة والفن والعلوم الى الوراء، مطاردة بتهمة الخروج على الأعراف والتقاليد.
شيدت فاتن حمامة لنفسها إهرامات من الافلام التي تغنت بقدرة الإنسان على الصمود بوجه الظلم والتخلف، يذهب الحكام ويبقى الحكماء، وكانت فاتن حمامة واحدا من حكيمات هذه الامة، لم تكتب شعارات باردة جوفاء بل استطاعت بصوتها الناعم ان تغوص في أعماق المرأة العربية المتطلعة الى عالم أفضل، مترجمة مشاعر وأحلام وأفراح ملايين المشاهدين إلى كلمات حية متوثبة مليئة بالدفء والحياة والدعوة للعدل الاجتماعي.
وحده صاحب نظرية كل شيء يكتب مثل هذه الكلمات المؤثرة: يجب علينا أن نعمل معا لإنهاء الحرب في المنطقة العربية، وحماية الأطفال، بعد أن وقف المجتمع الدولي يشاهد هذا الصراع من بعد وهو يزدري كل الآمال ويدمرها. وكأب شاهد معاناة الأطفال الأبرياء، يجب علينا أن نقول الآن "كفى".. ووحده فقط يجرؤ قذاف الدم على القول أنه انتظر داعش 50 عاما، لكي يبعثوا الامل لهذه الامة.. ولم يسمع كلمة " كفى ".

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

جميع التعليقات 2

  1. ام رشا

    أستاذ علي هل هناك من سمع أو يسمع أنين الأمهات وصراخ الأطفال وأصوات الموت التي تنتشر في كل مكان ..!الم يشعروا بمعاناة النازحين الهاربين من نيران الحقد والطائفية..! لن يسمعوا صوت العقل والضمير كفى فهم مشغولون بتحقيق الانتصارات التي لم تعد تعني احد شكرا لك.

  2. ام رشا

    أستاذ علي هل هناك من سمع أو يسمع أنين الأمهات وصراخ الأطفال وأصوات الموت التي تنتشر في كل مكان ..!الم يشعروا بمعاناة النازحين الهاربين من نيران الحقد والطائفية..! لن يسمعوا صوت العقل والضمير كفى فهم مشغولون بتحقيق الانتصارات التي لم تعد تعني احد شكرا لك.

ملحق معرض العراق الدولي للكتاب

الأكثر قراءة

العمود الثامن: الغرابي ومجزرة جسر الزيتون

العمود الثامن: نصف قرن من التفوق

العمود الثامن: نون النسوة تعانق الكتاب

العمود الثامن: مسيرات ومليارات!!

البَصْرة.. لو التَّظاهرُ للماء والنَّخيل!

العمود الثامن: نصف قرن من التفوق

 علي حسين في مثل هذه الأيام، وبالتحديد في الثاني من كانون الاول عام 1971، أعلن الشيخ زايد عن انبثاق اتحاد الامارات العربية، وعندما جلس الرجل البالغ آنذاك خمسين عاماً على كرسي رئاسة الدولة،...
علي حسين

كلاكيت: في مديح مهند حيال في مديح شارع حيفا

 علاء المفرجي ليست موهبة العمل في السينما وتحديدا الإخراج، عبئا يحمله مهند حيال، علّه يجد طريقه للشهرة أو على الأقل للبروز في هذا العالم، بل هي صنيعة شغف، تسندها تجربة حياتية ومعرفية تتصاعد...
علاء المفرجي

البَصْرة.. لو التَّظاهرُ للماء والنَّخيل!

رشيد الخيّون تظاهر رجال دين بصريون، عمائم سود وبيض، ضد إقامة حفلات غنائيَّة بالبصرة، على أنها مدينة شبه مقدسة، شأنها شأن مدينتي النَّجف وكربلاء، فهي بالنسبة لهم تُعد مكاناً علوياً، لِما حدث فيها من...
رشيد الخيون

الانتخابات.. بين صراع النفوذ، وعودة السياسة القديمة

عصام الياسري الانتخابات البرلمانية في العراق (11 نوفمبر 2025) جرت في ظل بيئة أمنية نسبيا هادئة لكنها مشحونة سياسيا: قوائم السلطة التقليدية حافظت على نفوذها، وبرزت ادعاءات واسعة النطاق عن شراء أصوات وتلاعبات إدارية،...
عصام الياسري
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram