(2)
حرب محلية صغيرة لا تكفي. الحرب تشكل أحد الحلول لتراكم الكراهية في قلب الوطن ورأسه.
فلسطين راية كاذبة بين الرايات وهكذا ما على صدام حسين إلا أن يحرر القدس عبر عبادان.
ثماني سنوات والأسود يندلع في سماء العراق وأبوابه، وفي قلوب الآباء والأمهات والأخوات والزوجات والأبناء.
ثمة محافظة تاسعة عشرة نسيها الأشاوس سنين عدداً ثم تذكروها!
بعد الحرب شرقاً ثمة الحرب جنوباً.
تنفيساً لاحتقانات جيش عاد من الشرق ولم يجد ما يفعله!
حرب كبيرة أخرى.
عتاة اليمين الأميركي لا يحتاجون سبباً مقنعاً لشن الحرب.. الحرب عندهم نوع من البزنس ثمنها الدم وربحها التوسع والسيطرة على منابع النفط.. النفط دم العالم.
لكي يبقى دم العالم متدفقاً على دم العراقيين أن يبقى متدفقاً.
ليتهم أخذوا النفط وتركونا بسلام، تقول عمتي.
وتضيف عمتي: ما نفع النفط ونحن جياع وعراة ولا نجد حتى نفطاً للفوانيس؟
خرجت القوات الأمريكية من العراق.. لم تخرج القوات الأمريكية من العراق!
بعد تلك الساعات البشعة، والمحيّرة، التي احتل فيها "داعش" ثلاث محافظات عراقية كبرى، بعد أن "انسحب!" جيش العراق المفترض بناء على "أوامر عليا" لم نعرف حتى اليوم من أصدرها (!) يخرج السيد نوري المالكي من رئاسة الوزراء "نظيف اليدين" من حقبة طائفية سوداء قاد فيها العراق وجيشه ووزاراته وأجهزة أمنه ومخابراته من فشل إلى فشل ومن جريمة إلى أخرى، لتسقط تلك المحافظات الثلاث بيد "داعش" وبدلاً من أن يعتذر للشعب العراقي عما حصل في أواخر أيامه من "تتويج" داعشي لتاريخ سلطته، لم يحدث شيء سوى استبدال كرسيه بآخر: من كرسي رئيس الوزراء إلى كرسي نائب رئيس الجمهورية، فهل نضحك من، أم نبكي على، هذه المكافأة السخية (لمن يرغب أن يضع حرف "الفاء" في مكانه المناسب من الكلمة الأخيرة؟)
هذا، باختصار، نتاج طبيعي لديمقراطية طائفية، تحاصصية، عندما تكون الديمقراطية ذات مضمون سياسي لا ثقافة اجتماعية مفتوحة على احتمالات الفوز والخسارة: ذهب العراقيون إلى صندوق الاقتراع بمشاعر شعبوية خائفة لينتخب كل منهم طائفته لإسقاط الطائفة الأخرى.
صندوق الاقتراع لا يعني انتخاباً حراً ومباشراً لممثلي الشعب من دون عقل جمعي يفكر (ويشعر) ديمقراطياً.. إننا في حاجة إلى "عقول" غير طائفية لاختيار ممثلينا غير الطائفيين..
الانتخابات، جزء من شبكة ممارسات ومواقف ورؤى أساسية أخرى، لا تكفي وحدها للسير بالوطن إلى مستقبل أفضل، ومثلها محاربة الإرهاب: حواضن الإرهاب ليست المدن والقرى والقصبات المفروزة جغرافياً وإدارياً.. حواضن الإرهاب هي عقول الناس وذاكراتهم المفعمة بالكراهية والخوف والتوتر والجهل. نحتاج إلى عقود عدة من إعادة التربية والتعليم والتأهيل (بدءاً بالمدرسة الابتدائية) لبناء مجتمع جديد تبنيه عقول أبنائنا الجدد خال من ثقافة الخوف من الآخر وإقصائه بأشكال متعددة بينها خطب المسجد والحسينية والمفخخات المتقابلة.
.. والأميركان عائدون أيضاً.
إنهم عائدون بطبعة منقحة، بلا بساطير على الأرض، حسب تعبير باراك أوباما.
عائدون على شكل خبراء ومستشارين ومدربين!
طيب! ما مصير الجيش العراقي الذي دربه الأميركان (قبل اجتياح "داعش") وأنفقت عليه مليارات الدولارات؟
وطنكم حقل تجارب؟
سؤال: .. وحيدر العبادي؟
جواب: لا أدري.
الرجل من المدرسة نفسها، وهو رئيس وزراء لا ساحر بعصا يضرب بها الأرض فتنشق عن أنهار وأعراس وأقمار وشموس.
لا أثق بالقائد الإرادوي.. وسط منظومة فساد كاملة.
سيطول هذا العمود كثيراً طالما الحرب تطول وتستولد ألوانها تباعاَ من الخاكي حتى الأحمر والأسود.
لا بأس، إنه عمود نهاية العام الذي لا يرقع الجرد المهترئ..
وعلى الأرض السلام وفي الناس المسرة.
عام جديد.. راية سوداء أخرى
[post-views]
نشر في: 19 يناير, 2015: 09:01 م