اعلان ممول

TOP

جريدة المدى > مسرح > تعقيب على مقال...ستراتيجية التسمية .. هل هي مسرح سيرة؟

تعقيب على مقال...ستراتيجية التسمية .. هل هي مسرح سيرة؟

نشر في: 19 يناير, 2015: 09:01 م

 للإجابة والرد على عمود "كواليس" للأستاذ سامي عبد الحميد / بجريدة المدى بعنوان: "مضامين وأشكال مسرح السيرة" في ٢-١٢-٢٠١٤ .
تلعب "العنوانات " دوراً محورياً في تصنيف المفهومات النظرية لمقاربة الظاهرة المسرحية، منذ ان نظر (ارسطو) لفنون الدراما، وا

 للإجابة والرد على عمود "كواليس" للأستاذ سامي عبد الحميد / بجريدة المدى بعنوان: "مضامين وأشكال مسرح السيرة" في ٢-١٢-٢٠١٤ .

تلعب "العنوانات " دوراً محورياً في تصنيف المفهومات النظرية لمقاربة الظاهرة المسرحية، منذ ان نظر (ارسطو) لفنون الدراما، والى يومنا هذا .. لكن أرسطو لم ينطلق من فراغ في مقاربته للتراجيديا انما كانت أمامه مسرحية (أوديب ملكاً) لسوفوكلس التي اصبحت انموذجا ً تطبيقياً ملموساً لآفاق نظريته بمثل ماقام به السيد (دانييل م. دنغرون) الذي اختاره الاستاذ سامي عبد الحميد، للتدليل على معنى "السيرة" عند رجل يعمل في المسرح الانجليزي بعد مرور قرون على ارسطو، وهو يرقب عادات فنان رافقه على فترات زمنية متباعدة، ليصوغ لنا "سيرته".

 
وهنا يبرز السؤال: ترى ما الذي سيقوله السيد (دانييل م. دنغرون) فيما لو شاهد عروض (السيرة) لدينا في العراق؟ هل سيعبرها، ام يتريث قليلا ًأمامها؟ ويسميها من جديد، كما فعل باحثون اكاديميون في اطاريحهم، وأتشرف ان يكون استاذنا سامي عبد الحميد قد اشرف على إحداها وهي للدكتور زهير البياتي، التي تحدثت عن تجربتي في هذا المجال، وكذلك أطروحة د. حسين علي هارف واخرون .
يذكر الاستاذ سامي الفروقات بين السيرة التي يكتبها صاحبها او التي يكتبها عنه اخرون. وهذا امر منطقي سليم، يخص نشاطاً (بيوجرافياً) خارجياً، لا علاقة له (بالمسرح) من بعيد او قريب، لانها سيرة (تاريخية) متوفرة في المكتبات العامة او الخاصة. لكن الأمر يصبح خلاف ذلك، حين يتعلق الامر بفنون المسرح، التي من شأنها ان تقدم صاحب السيرة المقصودة بالوعي (الجمالي)، والمنتخبة من قبل الكاتب المسرحي، بطريقة أسلوبية، تخص (موضوعها) المتفرد وبأحداث مكثفة ونوعية. ولو سردنا اسماء من تعاملت معهم من شخصيات عراقية وعربية وعالمية، لوجدناها كثيرة ومتنوعة، وكل منها يثير شجوناً ويحفز مواقف، ويستدعي انفعالات، وانثيالات، يحققها "المتلقي"، بما يحمل من قدرات خاصة به، وبانتمائه، ومصادراته الفكرية، والمجتمعية، قد يشعر حيناً قريباً منها، او نفوراً احياناً، حسب مستويات التلقي للأبعاد الانسانية لتلك الشخصيات. وقطعا ًلا يمكن للمؤلف ان يأتي (بالكيان الجسدي) لصاحب السيرة، انما يقترح (صورة) يراها فيه، وهي صورة فنية تتشكل في داخل وعي الكاتب.
وعلى المستوى الشخصي هنا، من اين أجيء اليوم "بالجواهري" ليلعب دوره في مسرحيتي؟ وقل كذلك عن "السياب" و "العاني" و "الشبلي" و "جواد سليم" و "علي الوردي" و "جورج تنت" و "الشيخ عمار" و "جومسكي" و "احمد الجلبي" و "عبد الكريم قاسم" و "فهد" و "الابنة الشهيدة" ، و "القيادي" اليساري،...، وسوى ذلك كثير مثل الإمام الحسين (ع). 
تحتم - اذن- علينا، ستراتيجية التسمية، ان نضع عنواناً مقارباً للتجربة العملية، وللتاويلات النقدية والنظرية لها، لكي يفيد منها الجمهور الآني، والمستقبلي.. ما اكثر نبل (بدر شاكر السياب) الذي ابحر بزورقه التجديدي في الشعر العربي الحديث، وهو رغم هذا العنفوان والصخب، يرثي نفسه ويقول : ".. مات الشاعر فيّ، وانسدّت كوى الابداع ." لم تغره الريادة بادعاءات جوفاء، بل مضى الى غايته الحداثوية، ليترك وراءه دوياً، كما فعل من قبله "المتنبي" وسواه، من غير تعالٍ على "تراث" قومه، ولا سقوط في نرجسية.
الاستاذ سامي هو ذاكرة تاريخية راسخة، لكنه لم يكتف بمعطياتها "السيرية" الخارجية، انما انشق ابداعياً عن جيله، بمثل مافعل الاستاذ بدري حسون فريد، ليقدما، روائع مسرحية يفخر بها مسرحنا العراقي والعربي. الفيصل هنا هو ( الفن) المسرحي, لذلك ماكانت تجربتنا في المسرح (السيرة) الذاكرة والتاريخ، بل خرجنا من حدود "المؤرخ" وتأرخته الحقبية والزمنية, لندخل "مدائن مسرحية" يرسمها (افق التوقيع) و (سلاسل القراءات) لتدمج افاقا تاريخية، باخرى ينحتها الوعي القصدي (الجمالي)، على وفق ما انجزته الانسانية في حقول المسرح.
يقول استاذنا د. سامي: (بعد التحري) لمسرحياتي، "لايمكن تصنيفها على انها من نوع مسرح السيرة".. ثم يردف قائلا ً: "بل هي مسرحيات اعتيادية - دراما تقليدية، او ملحمية، او ربما حتى واقعية، او تعبيرية". اذن يتفق معي الاستاذ سامي انها مسرحية، على وفق تذكره، للمذاهب المسرحية التي اعتمدتها هذه المسرحيات, فان هذا يشكل غبطة وفخراً شخصياً لي، لاني توفرت على مثل هذه المذاهب، والاساليب، والاتجاهات في تجربتي التي سميت بـ "السيرة الافتراضية" وليست بـ (السيرة) فقط.! ويوجز مسوغاته وتبريراته على الوجه الاتي: ان تكون احداث المسرحية من واقع حياة الشخصية الرئيسة، وليس من صنع خيال المؤلف. وجوابي: لو تفحصنا أيَّـة مسرحية يشاء من هذه المسرحيات, سيجد فيها احداثاً تختلف بالكامل من سواها في المسرحيات الاخرى. سيجد ان شخصية (العاني) مثلاً.. لايمكن ان نضعها بدلاً من (السياب) فهي لصق احداثها، وكذلك شخصية الإمام (الحسين) لايمكن ان نضعها في غير موقعها، وقل عن (الوردي) و(حقي الشبلي) و(جواد سليم) و(الشيخ عمار) و(احمد الجلبي) و(طه حسين) و(بيكاسو) و( فهد) ذلك, لان كلا منها انخرط في نسق خاص بكينونته وأبعاد شخصيته العاطفية، والفكرية، والجسدية.. ولكن ان يقول: (ليس من صنع خيال المؤلف) فانه بذلك يريد (تاريخاً) ولا يريد (مسرحاً).. وهذا امر يتقاطع مع الفن. 
تُرى.. ماذا لو جئنا بشاهدين قد خبرهما استاذنا جيداً, هما: (يوليوس قيصر) شكسبير، او (كليوباترا).. هل سيجد فيهما (التاريخ) بمعزل عن (فن المسرح)؟! والا هل كان شكسبير يتنصت على حوارهما، ونقله حرفياً الى (نصوصه) ؟! ام انه استخدم (تخييله) في انشاء تلك النصوص على وفق (نظريات التلقي)؟! ثم يردف الاستاذ سامي.. (بان هناك بحوثاً قد أُعِدِّت بشأن مسرح السيرة، قام بها (دانييل ميير دنغرون) في جامعة كمبردج بإعداد بحث بعنوان: "مسرحيات سيرة فنانين"، نشر عام ( ٢٠٠٥) .. وذكر الباحث ان بين عامي ١٩٠٠ و ١٩٧٧ كتبت نحو (ثمانين) مسرحية ، شخوصها الرئيسيون فنانون مشهورون ، بينما ظهرت بين (١٩٧٨) و ( ٢٠٠٤) اكثر من ( ٣٠٠) مسرحية من ذلك النوع ) . هنا يثري الاستاذ سامي ذاكرتنا المسرحية بمثل هذا الجهد العالمي، الذي ثابر المسرحيون الانجليز على تقديمه للشعب الانجليزي، بجدارة ووطنية عالية . ويعيد الاستاذ سامي تأكيده على ان ( أحداث) تلك المسرحيات ليست من صنع ( خيال ) مؤلفيها، بل من ( وقائع) تاريخية وقد جمعها ( مؤلفيها) من معلومات اخذوها من عوائل الفنانين واصدقائهم .هنا انتهى قول استاذ سامي.
لا نجد حاجة للتاكيد بان الاتجاه ( الوثائقي) في المسرح العالمي، وكذلك ( الواقعي) ربما يقدم طريقته ( الفنية) بشكل اقرب الى ( محاكاة) الواقع، ومع ذلك فهو ليس من ( الواقع) بشيء لسبب بسيطة ان ( تروتسكي ) عند ( بيتر فايس) قدم من ( وجهة نظر ) تقع على مسافة بينة من ( تاريخ) الشخصية ، التي قضت نحبها في امريكا اللاتينية ، متلقية فأساً على يافوخها ، هدية من ستالين، ودعك من المعالجة ( الواقعية) للشخصيات، فانها تتفاوت بين التاريخ والفن ، ياترى ماذا سيفعل ( الكاتب ) وهو يقدم على سبيل المثال ، شخصية ( هتلر) ملحمياً ، كما فعل برخت؟ او شخصيات اخرى كما فعل التعبيري (كاسيرر) او ( يوجين اونيل) ؟ او ماتقدمه (الواقعية الاشتراكية) لشخصية ( لينين) او ( ستالين) ؟ لماذا تختلف هذه الشخصيات حتى عند تقديمها ( سينمائياً ) كما في محنة المخرج الروسي ( ميخائيل روم) مع ممثل شخصية (لينين) ؟ وبعد جهد جهيد وجد شخصية تطابق ( رؤيته) عن لينين. قد يجد استاذنا سامي عبد الحميد، ضالته بهذا الشاهد الاثير الى اطروحته هذه ، ومثله هو مسرحية بعنوان ( الخزانة) عن حياة "ممثل" انجليزي ، اصبح شيخاً هرماً ، وكان كاتب المسرحية ( دونالد هاروود) يعمل مسؤولا عن خزانة ملابس الممثلين في احد المسارح ، ولا ندري هل يتعين على ( الكاتب) المسرحي ، ان يكون قريباً من خزانة ملابس احدهم، ليكتب عنه نصا ً مسرحياً ؟! وهو يتابع سلوكه ، ويتعقب مراحل حياته . يذكر الباحث ( الانجليزي) في بحثه المذكور ، كما يؤكد الاستاذ سامي ( .. وفي مسرحية " دستي هيوز" المعنونة : ( المستقبليون) نشرت عام (١٩٨٦) يتعرض كاتبها الى حياة الفنانين الروس ( مايكوفسكي) ، و ( آنا اخماتوفا) و ( الكسندر بلوك) و ( كوليا غامليون) و ( ليلي بريك) و ( مكسيم غوركي) وكان اولئك الفنانون مرآة لعدم استقرار الاوضاع في بلادهم بعد قيام الثورة البلشفية ) . وما أظن ان المبدعين ، والسياسيين ، ورجال الدين ، الذين كتبنا عنهم كانوا اقل تعبيراً عن طبيعة الاوضاع فيما كتبناه عنهم ، كانوا اقل تعبيراً عن طبيعة الاوضاع في بلادنا بعد قيام ثورة (١٤) تموز ( ١٩٥٨) والى يومنا هذا ؟ ويستطرد - استاذنا - فيقول ( .. وفي الفصل الثاني من البحث ، يطرح السؤال التالي ما الذي يدعو كتاب الدراما الى الاهتمام بحياة الفنانين ويحولونها الى مسرحيات ؟ والجواب : بالطبع ، هو ان تلك الحياة مليئة بالصراعات والمعاناة ، والانتصارات ، والعقد ، والعلاقات المركبة ولديهم من يتفق معهم ، ويؤيدهم ، وهناك من يخالفهم، ويعارضهم ، وهناك من يعجب بفنهم ومن يحسدهم على اكتسابهم محبة الجمهور ، وحصولهم على الشهرة). سؤال عميق ، وحقيقي ، ومشفر دراميا وهو توصيف دقيق لشرائح الفنانين ، وطبائع جمهورهم ، ولكن لنا ملاحظة على (خاتمة ) مقالة استاذنا ، سامي ، وهو يدون : ( ولا حاجة للمؤلف الدرامي ان ( يتخيل ) احداثاً مقترحة لمسرحية عن سيرة احد الفنانين بل عليه ان يلجأ الى ( الواقع) ولا ندري هل لجأنا الى بيئة غير بيئته. ونحن نكتب عن ( السياب) ؟ ام أرجعناه الى بيئته البصرية ، العراقية في ظروف اجتماعية ملموسة . ويضيف الاستاذ سامي ( بل عليه ان يلجأ الى الواقع ليغترف منه مادة غزيرة لنصه المسرحي، فالواقع التاريخي لاولئك الفنانين مليء ( بالمواقف) التي يجسدون فيها انفسهم ) . ومن يدري لعلنا ، اكباراً لجهود استاذنا د. سامي عبد الحميد ، تترفق بنا ( ربة الالهام) لننقل ( واقع) فنانا سامي ، وجهوده التربوية النبيلة، ورعايته لنا شخصياً ، ولأجيال عديدة ، يستحق ان نكتب عنه وعن ابتكاراته، وابداعاته ، وسنبحث طويلا ً ، لنجد ضالتنا اخراجياً ، بممثل يليق بتمثيل شخصية " فنان الشعب" الاستاذ سامي، ولكن بشرط ، ان يسمح لنا بعبور (قنطرة ) تنقلنا من شخصيته ( التاريخية) وذاكرتها الثرية ، الى شخصية تفاعلية فنية ( مسرحية) سواء اكانت واقعية ، او تعبيرية ، او ملحمية ، وهذه هي عدتنا المسرحية ، ولا نرتضي ( للخيال) الفني معها بديلا ًخلال ما أسميناه نحن "السيرة الافتراضية" المختلفة عن انماط السير الاخرى ، والى استاذي الكريم ، مع أطيب المنى والتحيات.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

جميع التعليقات 2

  1. عبدالقادر المعيني

    الجاهلية لماذا لا تكون منع لاسترتجية والاختلاط . عندما اعلم عدم التبرج للمراة تصور المشاهد ان المراة وجدت تعمل وكانت تشير لاصدقائها بالعمل وبلحظة انها ظهورها جاهلية واعلم اني قد ارجع بعد الانتهاء وارى اصبح كمبيوتري لاب اي لاب توب وتظهر المشاهد ..اصبحت الس

  2. عبدالقادر المعيني

    الجاهلية لماذا لا تكون منع لاسترتجية والاختلاط . عندما اعلم عدم التبرج للمراة تصور المشاهد ان المراة وجدت تعمل وكانت تشير لاصدقائها بالعمل وبلحظة انها ظهورها جاهلية واعلم اني قد ارجع بعد الانتهاء وارى اصبح كمبيوتري لاب اي لاب توب وتظهر المشاهد ..اصبحت الس

يحدث الآن

للحفاظ على «الهدنة».. تسريبات بإعلان وشيك عن موعد انسحاب القوات الأمريكية

العمودالثامن: حصان طروادة تحت قبة البرلمان

العمودالثامن: حصان طروادة تحت قبة البرلمان

قناديل: أما كفاكُمْ تقطيعاً بأوصال الوردي؟

التجنيس الأدبي والاكتفاء الذاتي

ملحق عراقيون

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

مسرحية رائحة حرب.. كايوسية التضاد بين الحرب ورائحته
مسرح

مسرحية رائحة حرب.. كايوسية التضاد بين الحرب ورائحته

فاتن حسين ناجي بين المسرح الوطني العراقي ومهرجان الهيئة العربية للمسرح في تونس ومسرح القاهرة التجريبي يجوب معاً مثال غازي مؤلفاً وعماد محمد مخرجاً ليقدموا صورة للحروب وماتضمره من تضادات وكايوسية تخلق أنساق الفوضوية...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram