TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > بورتريه بطل من هذا الزمان

بورتريه بطل من هذا الزمان

نشر في: 20 يناير, 2015: 09:01 م

فجأة ،بين ليلة وضحاها، تحول الشاب الذي يظهر خجولاً في الصور، لاسانا باتيلي إلى أكثر الأشخاص المطلوبين للحديث في محطات الراديو والتلفزيون المحلية والعالمية. فعلى مدى 24 ساعة كان على عامل المخزن البسيط أن يجيب على أسئلة الذين حاوروه في المقابلات. الرئيس الفرنسي نفسه فرانسواز هولاند اتصل به تلفونياً، بل حتى رئيس الحكومة الاسرائيلية نتانياهو اتصل به ليشكره، عدا الرسائل التي تلقاها من مواطنيه. كل ذلك يعود للعمل الجريء، الذي قام به هذا الشاب الذي لم يفعل تسليط الضوء عليه وظهوره المتكرر والمقابلات في المحطات التلفزيونية إلا أن تزيده خجلاً. فعله الجريء حدث عندما اقتحم الإرهابي الإسلامي المربوع القامة آميدي كوليبالي في نهار يوم الجمعة الماضي مدججاً بالسلاح السوبرماركت اليهودي "هوبر كاشر" عند لورته دي بينسنيس في ضواحي باريس، في تلك اللحظة التي اقتحم بها المسلح المتجر بالضبط، سارع لاسنا باتيلي على إخفاء عدد كبير من الزبائن الذين انحصروا في السوبرماركت في مخزن التبريد في السرداب لينقذ حياتهم بهذا الشكل. ضحية الهجوم الإرهابي ،كما نعرف بعد حجز الرهائن في النهاية ،هم أربعة شباب يهود.
من هو لاسنا باتيلي، هذه الشخصية التي ستصبح استثنائية للدور الذي قام به: حسب ما عُرف عن قصة حياته، فإن لاسنا باتيلي جاء وعمره ستة عشر عاماً بصورة غير شرعية من مالي إلى فرنسا، لكي يلتقي بأبيه الذي يعيش في باريس. الأم بقيت في مالي. الفترة الأولى من إقامته في فرنسا قضاها في معسكر للاجئين، قبل أن تعتني به مع غيره من الشباب اللاجئين، احدى المؤسسات الخيرية الخاصة بالمهاجرين، ليقيم بعدها في سكن جماعي للرجال. في عام 2011، أي عندما اصبح له من العمر واحد وعشرون عاماً، سيحصل لاسنا باتيلي على السماح بالإقامة الشرعية في فرنسا. أما طلبه الذي قدمه للسلطات الفرنسية بالحصول على الجنسية الفرنسية، فما يزال محفوظاً في جرارات دوائر الهجرة، ما زالوا لم يقرروا في طلبه، إذا يستحق أن يكون مواطناً فرنسياً أم لا؟
منذ أربع سنوات ولاسنا باتيلي يعمل في السوبرماركت اليهودي. وشكراً للمؤسسة الاجتماعية الخيرية الخاصة بالمهاجرين حصل الشاب المسلم، الذي كما صرح يطبق الفرائض التي يتطلبها منه الدين الإسلامي، الصلاة اليومية خاصة، التي وفرت له فرصة العمل في هذا السوبرماركت. مكان العمل هو "مثل عائلة ثانية" بالنسبة له، كما صرح في إحدى المقابلات وهو يمدح رب عمله اليهودي وزملاءه بالعمل. "لم أسمع من أي واحد منهم ولو ملاحظة بسيطة بشأن ديانتي"، كما قال لاسنا باتيلي للقناة التلفزيونية الأميركية سي أن أن.
وفي تعليقه على عملية الإنقاذ التي قام بها للرهائن، صرح الرجل الشاب: "لقد فتحت مباشرة الباب الذي يؤدي إلى مكان التبريد الخاص بحفظ الأطعمة، وناس كثيرون تبعوني"، بعد ذلك أطفأ الضوء وجهاز التبريد. "قلت لهم، عليهم أن يهدّئوا من أنفسهم، وألا يصدر منهم أي ضجيج"، ثم أخبرهم أنه سيصعد بنفسه إلى فوق، وعليهم أن يبقوا هناك، إلى حين يعود إليهم.
بالنسبة للعديد من الفرنسيين يبدو الرجل الشاب الأسود مثل شعاع نور وسط الزمن المظلم الذي يمرون به اليوم. وأن يكون أنقذ عن طريق فعله الجريء مواطنين يهودا لكي لا يقعوا في قبضة إرهابي مسلم معبأ بالكراهية لليهود، فلا يعتبره الشاب المسلم الخجول عملاً غير عادي، "الأمر لا علاقة له باليهود والمسيح أو بالمسلمين"، كما قال لمحاورته التلفزيونية، "كلنا أخوة." ببساطة أنه إنسان. لكن أي إنسان رائع هو هذا الشاب. أنه بالفعل نقطة ضوء في ظلام النفق الذي أدخلنا فيه الإسلاميون، فقهاء الإرهاب القادمون من كل القوميات والطوائف والبلدان. فلكي نعرف أننا بشر متساوون، إخوة، لا منّة لأحد على أحد ولا فضلَ له عليه، لكي نعرف، أننا بشر سواسية، أن لا حق لأحد بتكفير آخر، لأنه لبس عمامة أو قبضت يده على كتاب دين، لكي نعرف أن لا حق لأحد أن يوقع الظلم بأحد، بسجنه أو نفيه، بقتله أو تحريض الناس عليه، نحتاج بالفعل لشاب مثل هذا المسلم البسيط، القادم من مالي، لكي يلقننا هذا الدرس البسيط، ويعيد لنا الإسلام كما عرفناه عند الجدات والأجداد، فكيف لا نرفع قبعاتنا له، ونقول عنه، أنه بطلنا الذي نحتاجه، نعم انه بطل من هذا الزمان.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

العمود الثامن: سياسيو الغرف المغلقة

العمود الثامن: ماذا يريدون؟

السردية النيوليبرالية للحكم في العراق

العمود الثامن: من كاكا عصمت إلى كاكا برهم

لماذا نحتاج الى معارض الكتاب في زمن الذكاء الاصطناعي؟

العمود الثامن: من كاكا عصمت إلى كاكا برهم

 علي حسين كان العراقي عصمت كتاني وهو يقف وسط قاعة الجمعية العامة للأمم المتحدة، يشعرك بأنك ترى شيئا من تاريخ وخصائص العراق.. كان رجل الآفاق في الدبلوماسية وفي السياسة، حارساً لمصالح البلاد، وحين...
علي حسين

قناديل: يكتب كي لا يموت العالَم

 لطفية الدليمي في حياة كلّ كاتب صامت، لا يجيدُ أفانين الضجيج الصاخب، ثمّة تلك اللحظة المتفجّرة والمصطخبة بالأفكار التي يسعى لتدوينها. الكتابة مقاومة للعدم، وهي نوع من العصيان الهادئ على قسوة العالم، وعلى...
لطفية الدليمي

قناطر: بغداد؛ اشراقةُ كلِّ دجلةٍ وشمس

طالب عبد العزيز ما الذي نريده في بغداد؟ وما الذي نكرهه فيها؟ نحن القادمين اليها من الجنوب، لا نشبه أهلها إنما نشبه العرب المغرمين بها، لأنَّ بغداد لا تُكره، إذْ كلُّ ما فيها جميل...
طالب عبد العزيز

صوت العراق الخافت… أزمة دبلوماسية أم أزمة دولة؟

حسن الجنابي حصل انحسار وضعف في مؤسسات الدولة العراقية منذ التسعينات. وانكمشت مكانة العراق الدولية وتراجعت قدراته الاقتصادية والسياسية والعسكرية، وانتهى الأمر بالاحتلال العسكري. اندفعت دول الإقليم لملء الفراغ في كواليس السياسة الدولية في...
حسن الجنابي
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram