ثمّة قاسم مشترك بين حديث مفتي مصر السابق علي جمعة، وعرض التوك شو الذي قدمه شخص يدعى حيدر الجيزاني في حواره مع الزميل نبيل جاسم ، السيد علي جمعة اعتقد أن سبب التطرف وظهور فتاوى القتل هو الظلم الذي تعرض له المسلمون في اوربا بدليل ان جد ملكة بريطانيا كان من آل هاشم، لكنه ترك الإسلام بسبب الضغط والقهر، بينما الرجل الذي ظهر على قناة دجلة ، التفت حوله فوجد ان حل مشاكل الامة الإسلامية وإنقاذها من التيه والضياع بأن يقوم عدد من الشباب بعرض انفسهم للبيع في سوق "العبيد" من اجل افتتاح قناة فضائية، ما هو القاسم المشترك بينهم ؟ كلاهما يحاول أن يقدم صورة مسيئة للأسف عن الدين الإسلامي.
ستقولون إنها نوع من الخزعبلات لا تمثل روح الدين الإسلامي ، وهذا حق، لكن هذه الخزعبلات تتحول كل يوم وبفعل غياب ثقافة مدنية حقيقية إلى مساحات للشعوذة يحاول من خلالها البعض التأثير على عقول شباب يشعرون بالإهمال والبؤس والضياع ، فيكون البديل أمامهم أشخاصاً مثل حيدر الجيزاني ، يريد منا ان نلعي عقولنا ونتماهى مع احاديث يجتزأها من هنا وهناك ، ليقدمها على أنها مسلمات ، المطلوب فقط أن نقول للجيزاني لك السمع والطاعة يا سيدي.
قبل ثلاثة أيام صدرت الصحف البريطانية وهي تحمل صورة عمدة لندن وتحتها عنوان: محافظ لندن ينام في احد الملاجئ تضامنا مع المشردين،
بالمناسبة المحافظ لا ينتمي الى حزب ديني ، ولم يخرج على احدى الفضائيات ليقول انه خادم للدين والعقيدة، لكنه يصر على ان المنجز الحقيقي للانسان في احترام آدمية الآخرين ، لا المتاجرة بهم في سوق النخاسة ، وهلوسات الفضائيات .
ليس صعباً اكتشاف أنّ المجتمعات الجاهلة تصر على تربية أجيال مشوشة عقليا ونفسيا، من اجل نشر الخراب وليس صعبا ان نقول ان البعض يريدون يأخذ وا البلدان وأهلها في رحلة لا تنتهي من حكايات القرون الوسطى .
ليس مهما ان يثبت أبطال برامج التوك شو الفرق بين الحقيقة والخيال، او العلاقة بين الواقع والخيال التي يريد ان يثبت ان بريطانيا تحكمها امرأة مسلمة اجبرت على اعتناق المسيحية ، فلا يهم ان نجبر الآخرين على الترويج لمعتقداتنا تحت شعار: " البادي اظلم " ، لكن المهم انّ اصحاب هذه الخيالات الطريفة والعجيبة يحتاجون الى مريدين، ومع ازدياد مساحة الحديث عن الدين المضطهد والدعوة التي لابد ان تغزو بلاد الكفار، وان يظل هذا المواطن مجرد كائن لا يهم ان يعيش عبدا او مستلبلا او مضطهدا او محروما، مادام طريق الجنة مفتوحاً أمامه، ليعش في فقر.. وخوف دائم، المطلوب منه فقط ان يصدق السيد علي جمعة ، وان يتسمر أمام التلفزيون مصفقا لما يقوله الجيزاني، وفي النهاية لا يهم ما دامت فيديوهات قطع الرؤوس تجد لها اسواقا رائجة وبرامج أصحاب الكهوف لها مريدوها .
اما الذين شردوا من بيوتهم في الموصل ، والذين لايجدون عملا في بلد تجاوزت ميزانيته مئة مليار دولار، والملايين التي تحلم بالأمان، ويتمنون ان لا يتحول الاستقرار والطمأنينة والعدل الى قضية كبرى وحلما لا يبلغه إلا "الاحباب والاصحاب" ، لا وجود للقضايا الصغيرة في بلاد العرب ، التنمية، الاستقرار، لان المواطن المسكين منذ سنوات مطلوب منه الذهاب إلى ساحات تلقى فيها الخطب وترتفع فيها الشعارات ، ولأننا حتى هذه اللحظة لانعرف ماذا تعني مؤسسة البحث العلمي، ولا نريد ان نصدق ان هناك في دول العالم "الكافرة" الأولوية للمعرفة ، لا للخرافة ، فشعار المرحلة وكل مرحلة عندنا هو "مش حتقدر تغمض عنيك".
"مش حتقدر تغمض عنيك"
[post-views]
نشر في: 20 يناير, 2015: 09:01 م
جميع التعليقات 2
ابو اثير
بمناسبة الحديث عن محافظ لندن وقيامه بالنوم في أحد دور المتشردين تعاطفا معهم ومع معاناتهم ... تذكرت وتخيلت محافظ بغداد وهو يرتدي بدلة العمل الزرقاء المكوية النظيفة بطياتها المستقيمة وهو يتجول في أرجاء وأطراف مدينة بغداد ليطلع على معاناة المهجرين والنازحين
ابو اثير
بمناسبة الحديث عن محافظ لندن وقيامه بالنوم في أحد دور المتشردين تعاطفا معهم ومع معاناتهم ... تذكرت وتخيلت محافظ بغداد وهو يرتدي بدلة العمل الزرقاء المكوية النظيفة بطياتها المستقيمة وهو يتجول في أرجاء وأطراف مدينة بغداد ليطلع على معاناة المهجرين والنازحين