اعلان ممول

TOP

جريدة المدى > ناس وعدالة > رحلة غامضة تمزق عائلة

رحلة غامضة تمزق عائلة

نشر في: 25 يناير, 2015: 09:01 م

بغداد / المدى
 أب حزين دامع العينين، هدّه التعب والمرض. كل اسبوع يقوم برحلة مضنية، يسلك طريقاً متعرجا الى مديرية الشرطة، يقابل الضباط، يتردد على لسانه نفس السؤال: هل جاءكم شيء عن ابنتي؟ والإجابة دائما تكون بالنفي، فيعود الرجل أدراجه محطما يرتمي

بغداد / المدى

 أب حزين دامع العينين، هدّه التعب والمرض. كل اسبوع يقوم برحلة مضنية، يسلك طريقاً متعرجا الى مديرية الشرطة، يقابل الضباط، يتردد على لسانه نفس السؤال: هل جاءكم شيء عن ابنتي؟ والإجابة دائما تكون بالنفي، فيعود الرجل أدراجه محطما يرتمي في حضن الأحزان!

هذه هي رحلة الأب كل أسبوع، رحلة تبدأ بالأمل وتنتهي الى سراب. أما الأم فقد أقعدها المرض، صوتها ينادي على اسم واحد هو اسم ابنتها. كانت آذانها لا تسمع الا خطوات ابنتها عندما كانت تعود من مدرستها، فتتلقفها في أحضانها. تدللها بعض الوقت قبل ان تنصرف الى غرفتها لتستريح قبل موعد تناول طعام الغذاء عند عودة والدها من عمله، حيث تجتمع الأسرة كلها حول مائدة الطعام. كأن الأمر اصبح ذكرى حزينة.. بقيت فقط الذكريات وصورة ابنتها بجوارها فوق فراشها عندما كانت تشعر بالألم تحتضنها وتناديها ان تعود بأقصى سرعة.. لكن هيهات ان يسمع الغائب، وأن يدرك مقدار العذاب الذي تلاقيه أسرته في غيابه.
نبدأ الأحداث بهذا السؤال: كيف غابت الجميلة (ي) عن البيت؟ كيف طاوعها قلبها؟ نعود الى الوراء، وتحديدا صيف عام 2013 . استيقظت التلميذة الجميلة من نومها مبكرة. كانت على غير عادتها في هذا اليوم، بدت قلقة، صامتة، ملامح وجهها تنطق بالخوف. حتى وهي خائفة بدت جميلة. ارتدت ملابسها والتقطت حقيبة يدها وخرجت من غرفتها. كان في انتظارها الأب وألام وأشقاؤها يجلسون في المطبخ يتناولون إفطار الصباح. انصرفت ببطء ناحية الباب، تحاول ان ترسم ابتسامة فوق وجهها، لكن ملامحها الحائرة الخائفة فضحتها. بادرها الأب بسؤال: وين رايحة من الصبح؟ التفت الصغيرة ناحية والدها وبابتسامة باهتة قالت له: اليوم تطلع نتائج الامتحانات. رايحة للمدرسة أشوف النتيجة. "يوم نتيجة الامتحان يكرم المرء او يهان" عبارة داعب بها الأب ابنته ولم يقصد شيئا من ورائها. لكن (ي) اختزلتها بداخلها ولم تنبس بكلمة واحدة. انصرفت الى مدرستها والخوف يكاد ان يفجر قلبها من كثرة ضرباته المتلاحقة. لو تتوقف عقارب الزمن في هذه اللحظة. لو يعود الى الوراء قليلا قبل ظهور النتائج، لو أكون ناجحة واعبر هذا الخوف وأعود مسرعة الى بيت أهلي أزف اليهم هذا الخبر!
مشاعر كثيرة اختلطت في نفسها، لكنها عجزت عن هدايتها وعودتها الى عقلها. فقط تذكرت بعد كل هذا عبارة والدها. تذكرت عقابه لو فشلت هذه السنة ايضا، فسوف يكون عقابه صارما معها! دلفت الى المدرسة وفي داخلها كان الازدحام شديدا. وقفت بعض الوقت مترددة كأنها تريد ان تنسحب وتأتي في يوم آخر تختاره بإرادتها، لكن في هذا اليوم لا تراجع!
أسرعت تتلمس خطاها وسط زحام الأقدام تحاول ان تقرأ اسمها في قوائم الناجحين. كانت تردد اسمها وهي تمر بعينها على كل الأسماء، لكن لم تلمحه. أعادت الكرة مرتين وثلاث بلا جدوى.. لقد رسبت التلميذة الصغيرة في امتحان اخر السنة، ولم تبق لها الا الدموع. ولكن ماذا تفعل الآن؟ لا.. لن أعود الى البيت، ففي عودتي العقاب الذي هددني به أبي. هكذا اتخذت التلميذة المراهقة القرار. ربما كان هذا هو اصعب قرار اتخذته في حياتها. عند الظهيرة كان كل أفراد الأسرة في انتظار عودتها لتزف اليهم الخبر السعيد. لكن الساعات تمر ثقيلة ولا خبر عن غيابها. بدأ الشك يتسلل الى صدر الأب والخوف يعشش في صدر الأم. يخاف الأب ان يبوح بشكوكه فتنهار القلوب وتخشى الأم ان تصرّح بخوفها فتسقط هي أولى الضحايا.. لكن لكل شيء نهاية!
عقارب الساعة تشير الى الساعة الثانية ظهرا. الجميع صرخوا: ليش تأخرت وين راحت؟ وهب أفراد الأسرة يبحثون عنها في كل مكان. الأب وأولاده تفرقوا في كل الطرق، في المدرسة، في المستشفيات، في مراكز الشرطة، وصديقاتها.. سألوا حتى الطب العدلي، فربما كانت هناك جثة مجهولة تبحث عمن يتعرف عليها. لكن رحلة البحث كلها انتهت الى لا شيء، وعاد الجميع يحملون الفشل على وجوههم. وبقي امل واحد.. ففي صباح اليوم التالي اسرع الأب الى مدرسة ابنته واكتشف أنها رسبت في الامتحان، فسقط الأب على الأرض مغشيا عليه مستنتجا أنها لهذا السبب هربت ابنته!
تسابقت دموعه. طاردته الأسئلة والظنون القاتلة. تمالك نفسه وذهب الى اقرب مركز شرطة وسجل إخباراً باختفاء ابنته التي تبلغ من العمر 17 عاما، ولم ينس المسكين ان يترك عنوان بيته ورقم هاتفه .
الآن بعد ان مرّ اكثر من عام على اختفائها.. هل تقطع هذه الرحلة الغامضة وتعود الى أسرتها؟ عندما يحدث هذا سينسى الجميع اين كانت تعيش، فقط سيفتحون معها صفحة جديدة !

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

للحفاظ على «الهدنة».. تسريبات بإعلان وشيك عن موعد انسحاب القوات الأمريكية

العمودالثامن: حصان طروادة تحت قبة البرلمان

العمودالثامن: حصان طروادة تحت قبة البرلمان

قناديل: أما كفاكُمْ تقطيعاً بأوصال الوردي؟

التجنيس الأدبي والاكتفاء الذاتي

ملحق عراقيون

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

جانٍ .. وضحية: مدفع السحور.. جاء متأخراً !!

جانٍ .. وضحية: مدفع السحور.. جاء متأخراً !!

كانت ليلة من ليالي رمضان، تناول الزوج (س) فطوره على عجل وارتدى ملابسه وودّع زوجته، كان الأمر عادياً، لكن لسبب تجهّله، دمعت عينا الزوجة. ابتسم في وجهها وهَمَّ بالخروج الى عمله بمحطة الوقود الخاصة...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram