الشعر ليس ضرورياً في حسابات الربح والخسارة، خصوصاً في عالم استهلاكي يدرج الفنون جميعها في خانة الإعلام، ومنها حتى الميديا الثقافية، في العالم كله ليس في بلداننا العربية فقط. تصفحوا المواقع الإعلامية الشهيرة لتكتشفوا أن لا مكان للشعر. مواقع وصحف "المنوعات" تنشر أخبار النجوم والمهرجانات والجوائز ولكن لا مكان للشعر.
حتى الصحف والمجلات العالمية لا تأبه للشعر إذ ثمة مجلات ومواقع خاصة بالشعر لا يرتادها إلا القليل.
أصحاب دور النشر في عالمنا العربي يستقبلون كتب الشعر بتحفظ ومجاملات وتسويف لكن الجواب النهائي هو: آسفون، لا مشترين لكتب الشعر.
هذا أمر طبيعي. الشعر نخبوي النخبة. كتابته ترف وقراءته أترف.
في البيئة العربية، عموماً، كانت للشعر مجلات وصحف، عدا صفحات خاصة في صحف سياسية، بل مجلات للثقافة والأدب، كانت يوماً مرجعاً للقراء، في بيروت "الآداب" والقاهرة "إبداع" و "أخبار الأدب" و "مواقف أدونيس" و "الأقلام" و "الكلمة" في ستينات وسبعينات بغداد، عدا تلك الصفحات التي كرست الشعر فيها مادة أساسية عبر عواصم العالم، قبل أن يصبح الشعر (خليجياً) مناسبة للمطاردات الشعرية ومسابقات إعلامية و "شاعر المليون".
لو كنت في مكان صاحب دار نشر لما طبعت ديواناً واحداً من الشعر!
إن كتب الطبخ وأخبار النجوم وحظك هذا الأسبوع ومثلها كفيلة بتوفير إيرادات لا بأس بها لأي دار نشر شعبوية.
لكن دور نشر مرموقة تطبع وتنشر روايات عالمية وعربية لأن الموضة هذه الأيام تقضي بارتداء الرواية مع ربطة عنق أو بنطلون جينز، وهذه الدور ترشح لمسابقات الجوائز الروايات التي تنشرها، لكن ليست كل الروايات صالحة للترشيح، فثمة روايات يعرف مؤلفوها، وبتواطؤ مع ناشريها، ما هي الموضوعات التي تحقق مزيداً من الإثارة والقراءة، بل إن الآيديولوجيا تفعل فعلها أيضاً، إذ ليست كل الموضوعات جديرة بالاهتمام، فالإرهاب ومخلفاته، والنظم السياسية القائمة، واحتمالات التغيير غير المؤكدة، والحروب ونتائجها وما سمي خطأ بـ "الربيع العربي" بسبب سوء الترجمة تلعب دوراً مهماً في ترشيح وعدم ترشيح الكثير من الأعمال.
بمناسبة الترجمة: "Spring" لا تعني "الربيع" دائماً فثمة مترادفات أخرى من بينها: "انطلاقة، قفزة، وثبة" وهذا هو المقصود لا "الربيع".
رواية تغازل مزاجاً عربياً قوامه طائفي ولحمته خليجية وسداه قومية لها حظوظ فوز ممكنة!
اقرأوا شروط غابرييل ماركيز للفوز بجائزة أدبية!
.. وهكذا، نؤخذ بالحدث وترجمته والانصياع له، ونخضع لشروطه ليغدو محلل سياسي من الدرجة العاشرة نجماً لأنه "يعرف" ما عليه أن يقول على ضوء "ما يطلبه المشاهدون" وإن "حاول" التمسك بموقف هو الآخر يحظى بمقبولية جماهرية مثل: مناهضة بشار الأسد أو الطائفية في العراق أو مشكلة الصيد في موريتانيا أو الحوثيون (الشيعة) في اليمن.
والشعر؟
ليس ثمة من مبرر لأن يكون الشعر منافساً في ساحة الاستعراض ووسط دوي الانفجارات والتهجير ومخيمات اللجوء وثرثرة المحللين السياسيين والمراسلين الصحفيين والأسماء المستعارة لـ "كتّاب" يروون ما حدث من خلال كوة في جدار يطل على ساحة يحتلها "داعش".
القصيدة صيحة غير مسموعة.
القصيدة بضاعة بلا مشترين.
القصيدة مواطنة مغتربة.. وأشدد على التأنيث لأن ذكورية مجتمعاتنا أقسى ما يضع القصيدة على طاولة المحاسب.
فاشيات متعددة المستوى من الدولة حتى بيت الزوجية، وليس لنا، نحن الشعراء، سوى الاشتغال في المنطقة المنسية البعيدة عن حسابات الربح والخسارة.
القصيدة، في حد ذاتها خسارة جسيمة.
رغم سعادة الشاعر عند الانتهاء من قصيدة لكن حزنه مقيم عند سؤال مثل: لماذا أنا حزين إذن؟
هل الشعر ضروري؟
[post-views]
نشر في: 26 يناير, 2015: 09:01 م