بعيداً جداً يذهب ديميس روسو هذه المرة .. بل بعيداً جداً جداً (very very far away)، كما تقول واحدة من أحلى وأشهر أغنياته، وربما هي الأشهر.. ديميس يمضي الى الموت هذه المرة وهو بعد دون عتبة السبعين.
ما كان يُمكنني أن أتغافل عن موت هذه الاسطورة الأممية (يوناني الأب والثقافة إيطالي الأم مصري المولد)، ديميس روسوس، وهو الذي كان واحداً ممن أمتعوني وأبهجوا حياتي وحياة عائلتي والكثير ممن أعرف من أبناء جيلي يوم كانت بغداد تتحدى المستبدين والمتخلفين من حكامها، وتفرض نفسها مدينة أنيقة، متحضرة، نظيفة الشوارع، دائمة الخضرة، تعرض الأفلام والمسرحيات والكتب حتى ما بعد منتصف الليل، وتسهر النوادي والمقاهي والمطاعم على شطها وفي مركزها حتى مطلع الفجر.
في نوادي العاصمة العائلية الراقية (جمعية التشكيليين، نادي الإعلام، نقابة المهندسين، نادي التعارف، وسواها) كنا نلتمّ جماعات، نستمتع بالأغاني والموسيقى الحيّة والمسجلة، المحلية والعربية والأجنبية. ديميس روسوس كان حاضراً هناك دائماً بصوته الشجي المميز وأدائه الكنسي البهيّ الى جانب أصوات فرانك سيناترا واديث بياف والفيس بريسلي وتينا تيرنر ودوريس داي وجون لينون وداليدا. قليون منا كانوا يقاومون دعوة هذه الأصوات الساحرة الى الرقص. هذه الكوكبة الأممية كانت تزيّن ليل بغداد بعذوبتها بمثل ما كانت تلوّنه أصوات سعدون جابر وعفيفة اسكندر وسيتا هاكوبيان وإلهام المدفعي وناظم الغزالي ومحمد القبانجي ويوسف عمر وقحطان العطار وفؤاد سالم وحسين نعمة وفاضل عواد وياس خضر وجعفر حسن وفيروز وعبد الوهاب وعبد الحليم ونجاة والأطرش ونجاح سلام.
يومها، لم تكن بغداد، ولا العراق كله، طائفية كما هي اليوم، ولم تكن تميّز العربي عن الكردي والتركماني والكلداني والآشوري والأرمني، ولم يكن أهل بغداد يسألون عن الهوية ولا يهمهم أن يكون جارهم أو الجالس الى مائدتهم أو في صفهم المدرسي أو الجامعي أو في باص مصلحة نقل الركاب، مسلماً أم مسيحياً أو يهودياً أو صابئياً مندائياً أو إيزيدياً أو شبكياً أو كاكائياً أو بهائياً.
بغداد يومها كانت مُشرعة الأبواب والنوافذ على الثقافة الرصينة والفن الأصيل، لا تدقّق في جوازات السفر للأصوات والأنغام.. كانت تهتم بالجودة والأصالة، فدخل ديميس روسوس وسواه من أساطين الموسيقى والغناء العالميين الى بيوتها ونواديها وآذان مواطنيها من دون استئذان.
شكرا أيها الراحل الكبير ديميس روسوس .. شكرا لأنك اخترت أن تكون فناناً، وشكراً لأنك جئت في عصرنا، وشكراً لأنك كنت من جيلنا، وشكراً لأنك كنت ممن علمونا كيف نحب ونعشق ونستمتع بالحب والعشق وبالحياة، وشكراً لأنك ستبقى معنا الى يوم رحيلنا ولأنك ستبقى مع أبنائنا وأحفادنا (for ever and ever) كما كنتَ تردد في إحدى أغنياتك الأحلى والأشهر.
شكراً ديميس روسوس
[post-views]
نشر في: 27 يناير, 2015: 09:01 م
جميع التعليقات 15
نبيل يونس دمان
واضيف اسمين الى القائمة ايضا، مريام ماكيبا من جنوب افريقيا و كوكوش من ايران ، تحياتي
خليلو...
في مطلع الستينيات تماما كان صديق يجمعنا بقوة لا تقهر رابط فكري كان مقدسا في زماننا مع اختلافنا في ان كل واحد منا يتحدث في بيته حين ياوي اليه بلغة تختلف عن لغة صاحبه في يوم من الايام جاءني فرحا يزف الي بشرى قر ب زواجه فلما سالته عمن هي التي سيتزوجها ذكر لي
عطا عباس
ديمس روسوس رحل ولم يرحل أيضاً! أمتعنا حقاً ولكن في زمن عراقي أخر : لا مقياس فيه سوى الوطنيه الحقة ، ولا قيم فيه تنأى أبدا عن نقاء الضمير والحفاظ على المال العام ، ولا أحلام لنا غير تلك الباحثة عن دروبها لبناء وطن يتسع لأبنائه جميعا . ديمس روسوس ، حفظ
ابو سدير
شكرا ديمس روسوس لانك امتعتنا وساهمت في نشر ثقافة الحب والفن الجميل في وطن اليوم يرجع الى الوراء بقوة وشتا بين زمن كنت فيه حاضرا في كل بيت ونادي وشكرا استاذ عدنا على مقالك الرائع وتذكيرنا ببغداد والعراق ايام كان للفن معنى وللشعب حضورا في الثقافة بعيدا عن ا
كامل طاهر
وشكرا لك يا سيدي لانك هيجت المواجع ومن حسن حظ جيلناانه عايش ذلك الزمن الجميل الذي اعتقد انه لن يعودمادام {الؤمنون موجودون}.
ابو اثير
ألآن ياسيدي الفاضل زمن الرادود وجمعها الرادودين وزمن أمراء العشائر والقبائل وزمن مراجع الدين والوعظ ألأسلامي .. لذلك شاهد الى أين وصلنا وكيف أصبحنا وكيف بتنا والتالي أسوأ وأسوأ بظل هذه النخبة من الساسة ورجال الحكم الطارئين .
د. شيرزاد
انا كشفت روسوس في بدايه السبعينات واشتريت قوانا وكنت اسمعه خارج العراق لآني هربت من عصابات صدام. لم تكن الأوضاع جيده كما علق معضم الساده وربما كانت أوقات كم سعيده ولكن انا شخصيا كنت شابا صغيرا عندما رأيت لوريات مليءه برجال قبائل من منطقه الحويجه مروا م
نبيل يونس دمان
واضيف اسمين الى القائمة ايضا، مريام ماكيبا من جنوب افريقيا و كوكوش من ايران ، تحياتي
خليلو...
في مطلع الستينيات تماما كان صديق يجمعنا بقوة لا تقهر رابط فكري كان مقدسا في زماننا مع اختلافنا في ان كل واحد منا يتحدث في بيته حين ياوي اليه بلغة تختلف عن لغة صاحبه في يوم من الايام جاءني فرحا يزف الي بشرى قر ب زواجه فلما سالته عمن هي التي سيتزوجها ذكر لي
عطا عباس
ديمس روسوس رحل ولم يرحل أيضاً! أمتعنا حقاً ولكن في زمن عراقي أخر : لا مقياس فيه سوى الوطنيه الحقة ، ولا قيم فيه تنأى أبدا عن نقاء الضمير والحفاظ على المال العام ، ولا أحلام لنا غير تلك الباحثة عن دروبها لبناء وطن يتسع لأبنائه جميعا . ديمس روسوس ، حفظ
ابو سدير
شكرا ديمس روسوس لانك امتعتنا وساهمت في نشر ثقافة الحب والفن الجميل في وطن اليوم يرجع الى الوراء بقوة وشتا بين زمن كنت فيه حاضرا في كل بيت ونادي وشكرا استاذ عدنا على مقالك الرائع وتذكيرنا ببغداد والعراق ايام كان للفن معنى وللشعب حضورا في الثقافة بعيدا عن ا
كامل طاهر
وشكرا لك يا سيدي لانك هيجت المواجع ومن حسن حظ جيلناانه عايش ذلك الزمن الجميل الذي اعتقد انه لن يعودمادام {الؤمنون موجودون}.
ابو اثير
ألآن ياسيدي الفاضل زمن الرادود وجمعها الرادودين وزمن أمراء العشائر والقبائل وزمن مراجع الدين والوعظ ألأسلامي .. لذلك شاهد الى أين وصلنا وكيف أصبحنا وكيف بتنا والتالي أسوأ وأسوأ بظل هذه النخبة من الساسة ورجال الحكم الطارئين .
د. شيرزاد
انا كشفت روسوس في بدايه السبعينات واشتريت قوانا وكنت اسمعه خارج العراق لآني هربت من عصابات صدام. لم تكن الأوضاع جيده كما علق معضم الساده وربما كانت أوقات كم سعيده ولكن انا شخصيا كنت شابا صغيرا عندما رأيت لوريات مليءه برجال قبائل من منطقه الحويجه مروا م
Yasir Al-Din
He also sang in Baghdad in 1976 in Al Tahuna AL Hamra.